18 سبتمبر 2025
تسجيلتوقعات مخيفة نشرتها الصحيفة الأمريكية (ستراتيجيك ألرت) في عددها 38 (17 سبتمبر الجاري) تفيد بأن سياسات الولايات المتحدة الراهنة تتجه إلى شن حروب إقليمية وحتى عالمية (وبالطبع تؤكد الصحيفة أنها لن تكون إلا نووية)، وتقول: "إن العالم أقرب من الحرب النووية لأول مرة منذ أزمة صواريخ كوبا عام 1962 في عهد الرئيس كينيدي، لأن تفاقم التماس والتهديد بين واشنطن وبيجين أصبح لافتاً، حيث كتبت الصحيفة الصينية (كسين هوا) شبه الرسمية في افتتاحيتها قبل أسبوع حرفياً بأن الجيش الأمريكي خلال الأشهر الستة الأخيرة نفذ 3000 طلعة لمقاتلات حربية قريباً من حدود الصين، وقام أسطوله البحري بإبحار مدمراته البحرية 60 مرة والاقتراب من الحدود البحرية للصين بتعلة "حماية أمن السفن التجارية والناقلة للطاقة من الهجوم والقرصنة"، ثم تؤكد الصحيفة أن طائرات إف 35 الأمريكية نفذت طلعات وتحليقات استطلاعية قريباً من حدود روسيا مما جعل الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الروسية يصرح يوم 6 سبتمبر 2020 بأن "موسكو تخشى أن يكون حلف الناتو يقوم بمناورات حربية غير معلنة تمهيداً لهجمة ضد روسيا". وتستخلص الصحيفة الأمريكية (ستراتيجيك ألرت) بأن الرئيس ترامب كثيراً ما يذكر بالعلاقات الإستراتيجية الطيبة بين بلاده والصين وروسيا، لكن هذه النوايا الحسنة والتطمينات لعلها تصطدم بعقيدة الحرب لدى كل من خبراء البنتاغون ووزارة الخارجية، وهي عقيدة ثابتة منذ زمن المحافظين الجدد وعلى نقيض سياسة ترامب السلمية. قليل من الملاحظين تنبهوا إلى مؤتمر صحفي عقده الرئيس ترامب يوم 8 سبتمبر الجاري، أعلن خلاله الرئيس أنه سيضع حداً نهائياً لما سماه "مؤامرة المجموعة العسكرية الصناعية" ضده، وأشار إلى أن بعض المتنفذين في هذه المجموعة يعدون ضده مؤامرة لإزاحته عن البيت الأبيض حتى تزدهر لديهم تجارة الأسلحة والصناعات الحربية وهي تجارة غير شرعية لكنها تحتاج للحروب حتى تنتعش"، ومعروف تاريخياً أن الرئيس (دوايت إيزنهاور) هو الذي اكتشف في أواخر الخمسينيات تورط ما سماه آنذاك (المجموعة العسكرية الصناعية) في فرض الحروب على الولايات المتحدة، ومنها الحروب الكورية والفيتنامية، وهو ما يريد الرئيس ترامب وضع حد له، لأنه دوماً يربط الحروب الأمريكية خارج حدودها بعهد بوش الأب وبوش الابن. ولم يكن خوف ترامب من المؤامرات الانقلابية غير مبرر أو مجرد سياسة لكسب الأنصار، بل إن بعض المؤشرات تدعم خشيته ومواقفه، منها مثلا أن مجلة عسكرية (ذي أتلنتيك) ورئيس تحريرها هو (اللواء المتقاعد جيفري غولدبارغ) نشرت يوم 5 سبتمبر 2020 افتتاحية تدعو كبار الضباط الأمريكان المتقاعدين إلى إزاحة ترامب عن السلطة حتى لا يعاد انتخابه، ومن محركي هذا التوجه (جون ماتيس) وزير الدفاع الأسبق الذي أقاله ترامب وهو أيضاً أحد محرري (ذي أتلنتيك) نشر مقالاً بعنوان (ترامب تهديد للدستور الأمريكي). نستنتج من هذه الحقائق التي نشرتها صحيفة أمريكية أن واشنطن في مستوى الإدارة السياسية ليست على ما نعتقد من الثبات والرسوخ، وهو مؤشر يدل على إنذارات ومحاذير، لأن ظاهرة المؤامرات لم تعد مقصورة على دول العالم المتخلف بل أصبحت تهدد أقوى دولة منفردة بالسياسة الخارجية الموزعة على القارات الخمس!، وما هو حالنا نحن العرب أمام هذه التحديات؟، أعتقد صادقاً بأن أخطر سؤال مطروح اليوم على دول ما بعد الثورات العربية وما يعرف بالربيع العربي هو السؤال الذي لم يطرحه أحد من الخبراء أو المسؤولين الجدد إلى اليوم، والسبب أننا ضعنا بلا بوصلة في خضم الأحداث الجسيمة المتعاقبة والمؤامرات المختلفة التي تحاك ضد كل تغيير حضاري. أدركنا أن اليمين الغربي الأمريكي والأوروبي شرع منذ توليه السلطة جزئياً أو كلياً في عديد الدول النافذة يرتب لسيستم جديد من العلاقات الدولية لا تقوم على احترام سيادة الدول المستضعفة ولا على القانون الدولي، بل تمخضت دراسات السياسات لديهم فأنتجت مولوداً يسمى صفقة القرن، وهو مولود مشوه لكنه سيفرض علينا بالقوة غايته تصفية القضية الفلسطينية نهائياً بمؤامرة يعد لها في ورش غربية وإسرائيلية ثم إعادة العرب بعد ربيعهم المجهض إلى بيت الطاعة الصهيوني الإمبريالي، وستدعى الدول قريباً لهبة حضارية جديدة وإعلان موت الليبرالية الطاغية ونواميس السوق المتسيبة، مما لا شك سينشأ عنه نمط جديد تماماً للعلاقات الدولية والقانون الدولي والأخلاق الدبلوماسية والتجارة العالمية بعيداً جداً عن الهيمنة السياسية والسيطرة على مناطق النفوذ وتقاسم خيرات الأمم الأخرى تحت تعلات العولمة أو صفقة القرن، وبمباركة المؤسسات الدولية التي تدير هذه المظالم وهي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية وهي الأدوات الطيعة والأذرع الطويلة لنظام (بريتن وودس) المنهار على رؤوسنا جميعاً.