18 سبتمبر 2025
تسجيلخلق الله سبحانه وتعالى الأرض وما عليها من كائنات حية وغير حية وأودع فيها جميع المقومات التي تضمن استمرارية عطائها وخلق الإنسان وسخر له جميع المخلوقات، لكي يستفيد منها في حياته ومعاشه ومكنه على هذه الأرض ومن جميع ثرواتها وخيراتها لكي يديرها بطريقة سليمة وصحيحة لا تؤثر عليها من الناحيتين النوعية والكمية ولكي ترثها الأجيال اللاحقة، وتستطيع هي الأخرى أن تستفيد منها وتتمتع بها، واستمر الحال فترة طويلة من الزمن يعيش فيها الإنسان مع الكائنات الحية والموارد الطبيعية المسخرة له في توازن مشهود لا تطغى فيها احتياجات الإنسان ومتطلباتها على نوعية وكمية موارد الأرض ولا تستنزف فيها هذه الموارد من اجل شهوة أو رغبة بشرية مؤقتة. ولكن مع التقدم الصناعي والتقني الملحوظ وجهل الإنسان او غفلته عن هذا التوازن الدقيق المهم والعلاقات الوطيدة التكاملية التي تربط بين جميع الكائنات والموارد حدث خلل في هذا التوازن فانكشفت مظاهر غريبة أمام الإنسان وظهرت مشكلات بيئية خطيرة كان ضحيتها الإنسان والكائنات الحية الأخرى وموارد الأرض وثرواتها. وعلى الرغم من التحذيرات المتتالية التي ظهرت أمام أعين الإنسان إلا انه لم يهتم بها ولم يتعلم منها ولذلك ظهرت مشكلات أخرى أشد وطأة من المشكلات السابقة وأكثر ضررا وتهديدا لحياة الإنسان ورفاهيته وتنميته وبعد هذه المشكلات المشهودة بدأ الإنسان يستيقظ شيئا فشيئا ويزيل الغمامة من أمام عينه وأيقن انه فعلا أمام قضية خطيرة لا تهدده هو فحسب وانما قد تدمر الأرض وما عليها. وعرف الإنسان أن معظم هذه المشكلات البيئية كانت نتيجة لجهله بالمفاهيم والحقائق التي تربط بين مكونات البيئة وعناصرها المختلفة وسوء إدارة للموارد والثروات الطبيعية وممارساته وتصرفاته الجائرة والعشوائية ولذلك كان لا بد من علاج جذري لهذه المشكلات يتمثل في تنمية وعي الإنسان بهذه المفاهيم وتغيير اتجاهاته وسلوكياته نحو بيئته وتزويده بالمهارات والقدرات التي تؤهله لمواجهة هذه المشكلات وإيجاد حلول لها ومنع وقوع مشكلات جديدة أخرى. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال تعليم الإنسان منذ صغره على هذه المفاهيم وتنمية وعيه البيئي وان المؤسسات التعليمية يجب أن تعني بإعداد الكوادر القيادية المؤهلة على جميع المستويات وتأهيلها لتحمل مسؤوليات التنمية والقيام بها من أجل تحقيق التنمية المستديمة والواقع أنه في عام 1997 أصدرت اليونسكو بيانًا عن (التعليم البيئي من أجل مستقبل أفضل)، وفيه تقرر أنه (أصبح من المتفق عليه أن التعليم هو أكثر الوسائل تأثيرا وفاعلية يمكن للمجتمع عن طريقها أن يواجه تحديات المستقبل وأنه ليس ثمة شك في أن التعليم هو الذي سوف يتولى صياغة وتشكيل عالم الغد). والرأي السائد لدى كثير من المهتمين بمستقبل البيئة هو أننا لا نستطيع إنقاذها من التدهور السريع الذي تعانيه الآن إن لم نتحكم أولا في أنفسنا إما عن طريق التشريع وإما عن طريق التوعية والاقتناع الشخصي والإدراك السليم، وهذا يقتضي إعداد الناس إعدادًا صحيحًا يقوم على التعريف بالمعلومات الأساسية المتعلقة بالبيئة والأخطار التي يمكن أن تلحق بها نتيجة للسلوك البشري غير الرشيد، وإن كان الرأي السائد أيضا في الوقت ذاته هو أنه لا مفر رغم كل المحاولات التي تبذل لتنظيف البيئة من وجود نسبة معينة من التلوث في كل مكان من كوكب الأرض، وأن المهم من الناحية العملية هو أن نعرف متى تصبح درجة التلوث مسألة لا يمكن السكوت عليها رغم صعوبة الوصول إلى مثل هذا التحديد الدقيق. وثمة اتجاهات قوية تدعو إلى توجيه التربية والتعليم بحيث يخدمان البيئة كما تدعو إلى قيام تخصصات جديدة في علم البيئة وذلك على أساس أن إدارة البيئة تحتاج إلى تضافر وتعاون فروع عدة من العلم مثل الجيولوجيا وعلوم التربية والاقتصاد والاجتماع والأنثربولوجيا، بل والفلسفة أيضا لأنها كلها تساعد على فهم مغزى سلوك الإنسان وعادات البشر وبخاصة فيما يتعلق بموقفهم من البيئة الطبيعية التي تحيط بهم. فالإنسان على ما يقول روبر موريسون في مقال له عن (التعليم لاعتبارات إيكولوجية) هو أنجح الكائنات في استعمار الأرض واستخدامها واستغلال مواردها، ولكنه في الوقت ذاته أكثر هذه الكائنات إفسادا للأرض وتلويثًا لها. وقد دفعت هذه الدعاوى الكثيرين إلى المناداة بضرورة الوصول إلى ما يطلق عليه اسم (أخلاقية الأرض) التي تدعو إلى وجود نظرة جديدة وموقف جديد في أصول التعامل مع البيئة من منطلق الحب والاحترام حتى يمكن المحافظة عليها لأن ذلك يصب في آخر الأمر في مصلحة الإنسان نفسه. وفي عبارة صادقة وعميقة كثيرا ما استشهد بها في هذا الصدد يقول الأستاذ آلدو ليوبولد وهو من كبار المتخصصين في بحوث الصحراء بأمريكا: (إننا نحقق فكرة أخلاقية المحافظة على الأرض حين ننظر إليها على أنها مجتمع ننتمي إليه وبذلك يمكننا أن نستخدم الأرض بطريقة تنم عن الحب والاحترام. وليس هناك سوى هذه الوسيلة لكي نساعد الأرض على الصمود أمام وطأة الحياة الآلية التي تسم الإنسان الحديث، كما أن هذا هو الطريق الوحيد أمامنا لكي نحصد من الأرض المحصول الجمالي التي هي قادرة على أن تنبته بفضل العلم وتسهم به في الحضارة الإنسانية. إن حب الأرض واحترامها هما امتداد طبيعي للأخلاق الإنسانية). فهل نعي هذا الدرس؟.