17 سبتمبر 2025

تسجيل

ثورات الربيع وأعداؤها وأسرار الحصار

28 أغسطس 2017

نشرت وسائل الإعلام الغربية والفرنسية خاصة هذه الأسابيع الأخيرة تقييمات لما اصطلح على تسميته بالثورات العربية أو الربيع العربي، وأشار بعضها إلى ما سمته أدبيات الإعلام الغربي (الثورة المضادة) ضاربة المثل بالحصار المضروب ظلما على دولة قطر مؤكدة بالإجماع على أن استهداف الدوحة يشكل آخر مظاهر الثورة المضادة وتدويلها، وأصبح من المتداول في الإعلام الغربي أن دولة الإمارات لأسباب ظاهرة وباطنة هي التي تقود ما اصطلح على نعته بالثورة المضادة، مع ذكر البراهين القاطعة، ومن جهة أخرى لفت اهتمامي رأي مثير للجدل لأحد أكبر الخبراء (أريك دينيسيه) فهو يعتقد بأن ما تم ويتم في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا ليس ثورات بالمعنى المتعارف بل لخصها في كونها أنواعا جديدة مبتكرة من انقلابات عسكرية (مقنعة) هندستها وقادتها الولايات المتحدة الأمريكية بغرض رسم خارطة شرق أوسطية مختلفة تتلاءم أكثر مع مصالح الدولة الأقوى وتؤدي لا إلى ثورات جذرية، بل إلى تعديل في مناهج الحكم يضرب عصفورين بحجر واحد، أي يصب في خانة المصالح الأمريكية من جهة ويستجيب لطموحات الشعوب العربية التائقة للحريات ولاحترام حقوق الإنسان من جهة ثانية، ولكن بشكل متدرج ومتحكم فيه حتى لا ينفلت. ويقر الخبير الفرنسي بأن كثيرا من الأنظمة العربية انتهت صلوحيتها واستهلكت وسائلها، وعلى الغرب أن يساعد على رحيلها لما لا يتناقض مع مصالحه قبل مبادئه. هذه استنتاجات بعض مراكز البحث، لكن ماذا جرى في عهد ترامب حتى تتغير سياسات واشنطن إزاء تلك الثورات؟ ويستشهد السيد (إيريك دينيسيه) بتقارير ذات توزيع محدود صدرت خلال السنوات الأخيرة الماضية عن مؤسسات تفكير وتحليل أمريكية (ثنك تانك) أمثال (فريدوم هاوس) و(أنترناشونال ريببليكن أنستيتيوت) و(كنفاس) و(بروكنغس) وغيرها والتي توقعت حدوث حركات تمردية واسعة في عديد من بلدان الشرق الأوسط. ويقول الخبير بأن واشنطن من خلال هذه المؤسسات كانت في الحقيقة تصنع الحدث ولا تتوقعه أو تحلله فحسب. ويقدم هذا الرجل ما يعتقد أنه براهين لنفي صفة الثورة عن تونس ومصر فيقول بأن الحكومات التونسية المتعاقبة والراهنة تتشكل من وجوه منتسبة بطريقة أو بأخرى للرئيسين بورقيبة وبن علي ونظامهما وبأن المجلس العسكري في مصر لم يلغ اتفاقيات السلام مع إسرائيل ولم يوقف ضخ الغاز المصري للدولة العبرية بعد ثورة مصر. نحن نستعرض تحليل هذا الخبير من وجهة نظر عربية أي أننا نلفت أنظار النخبة لما يتهدد هذه التحولات الإصلاحية العارمة من مخاطر انفلاتها من أيدي أصحابها لتخدم مصالح أجنبية أو تصب في أجندات معادية لنا متربصة بنا مهما كانت نوايا الجماهير العربية حسنة ومهما كانت مطالبها مشروعة. فالذي حدث من خروج ممنهج عن القانون وانتشار مظاهر الفساد وتفاقم عناصر الإرهاب في المجتمعات التي حققت تمردات شعبية ينذر بانعراج الثورات إلى طريق الانحراف. ومن هنا فنحن لم نفهم كيف انحدرت بعض شرائح من شعوبنا الوديعة إلى درك التناحر القاتل بين عائلات جمعتها على مدى أكثر من نصف قرن أواصر المواطنة والأخوة والتعاون على البر والتقوى، وبالله لا تكرروا على أسماعنا أسطوانة الأيدي الخفية والمندسين من الطابور الخامس! فحتى في حالة لو صدقنا هذه التبريرات ألم يكن بإمكان الوطنيين الشرفاء إحباط مؤامرات متوقعة من أي جهة حبكت؟ ألم يكن في مقدور النخبة التي صنعت ثورتها أن تحمي الثورة من أعدائها بإقرار الوفاق ورفع راية الوحدة واللحمة والتأزر؟ إن الأمن والأمان يقعان في قلب الأولويات لكل شعب يريد أن يمسك بمصيره، وإلا فإننا سوف نصدق الخبير الفرنسي الذي أنكر على أمتنا حقها في إرادة الحياة بدعوى أن الشعوب تتحرك كالدمى (بريموت) قوى أجنبية تتلاعب بعقول بنيها. تسجل كثير من مؤسسات التحليل السياسي إصرار دولة قطر على تعزيز التحرر العربي من الاستبداد رغم ما يتهدد سعي الربيع من مؤامرات وما فتأت دولة قطر تسعى بفضل دبلوماسية مبادئ وقيم على احترام إرادة الشعوب في كنف القانون الدولي والأعراف العالمية وعدم التدخل في حرية خياراتها.