15 سبتمبر 2025
تسجيلحين يصدح صوت الثقافة في الدوحة.. فأنت بالتأكيد في "الصالون الثقافي" الذي يحتل قاعة معتبرة في قلب منطقة الدفنة الراقية في قلب الدوحة، فهو حديقة الأدب والشعر والثقافة وسط غابة من الأبراج الأسمنتية، وهو تعبير عن حضارة الكلمة والمعرفة في مواجهة حضارة الحجارة المتراكمة. لطالما كان "الصالون الثقافي" التابع لوزارة الثقافة والفنون والتراث محجا للباحثين عن شيء من متعة المعرفة التي تطرب العقل، وتغذي الروح، وتشحن "بطاريات الأمل" لأمة تغرق في الأزمات، فعلى مدار عام كامل لا تتوقف الندوات والمحاضرات والأمسيات الشعرية والجلسات النقدية، القراءات المتعلقة بالقصص والروايات والدراسات اللغوية، والعلاقة التي تربط اللغة بالإعلام وصولا إلى اللغة العربية وسؤال المستقبل. يستقطب الصالون الثقافي نخبة ثقافية مميزة في قطر، وهي نخبة تعاني كثيرا في ظل سيطرة الموجة الاستهلاكية والترفية و"المولات" ومراكز التسوق التي تستهوي الشباب أكثر من الثقافة، فالأجيال العربية الجديدة عازفة عن الثقافة في معظمها، مما يصعب عمل النخب الثقافية القليلة في العالم العربي ومنها قطر. ولكن ورغم ذلك فإن "الصالون الثقافي" يسجل حضورا لافتا، باستمرارية نشاطاته وفعالياته من جهة، وبنوعية الفاعليات والمناقشات التي تدور فيه، ولعل قائمة النشاطات الأدبية والثقافية التي تشمل الاحتفال بالشعر العربي واللغة العربية مثل "اللغة لعربية في عالم متغير، واللغة العربية والإعلام، واللغة العربية وسؤال المستقبل، والمعارك الأدبية وأثرها في الحياة الثقافية، والمجتمع العربي من التقليد إلى التحديث، والمعارك الأدبية وأثرها في الحياة الثقافية، وغياب كبار المثقفين وتعثر ثورات الربيع العربي، وأزمة الفكر العربي، وأدب المرأة الخليجية بين القيود المعرفية والتحرر الفني، والحضارة العربية في الأندلس وأثرها على الثقافة الإسبانية المعاصرة، ودور الجوائز في الإبداع العربي، والرواية والتخييل التاريخي، والسرد والشعر.. تكامل أم تضاد، إضافة إلى القراءات النقدية للروايات مثل "الطلياني" و"لا كرامة في الحب"، تعبر عن آفاق القائمين على الصالون الثقافي، وهي آفاق مبهجة ومجيلة. ولا يتوقف تأثير "الصالون الثقافي" في وزارة الثقافة، عند خلق المتعة والاستزادة من العلم والأدب، بل تعداها إلى خلق حالة أسرية بين مرتاديه، خاصة المثقفين الفاعلين، ممن أضفى بعدا آخر على الصالون، مازجا بين الاجتماعي والثقافي، وقد توج هذه التمازج الجميل، وزير الثقافة الدكتور حمد بن عبد العزيز الكواري، الذي قام بتكريم جميع المشاركين في فعاليات الصالون الثقافي خلال العام الماضي، في مبادرة ستستمر بإذن الله، وهي مبادرة من وزير مثقف يعرف كيف ينزل الناس منازلهم، لأنه يعرفهم معرفة شخصية مباشرة، بعيدا عن "عاجيات السلطة" المقيتة، وهو يشارك في الندوات والمحاضرات كمثقف حقيقي، مما جعل منه أخا وصديقا وزميلا، لأسرة الصالون الثقافي. لا أغمط القائمين على هذا الصرح الثقافي حقهم، ولا أبخسهم قدرهم في الإعداد والمتابعة والاتصالات الهاتفية والرسائل النصية، التي تذكر بنشاطات "الصالون الثقافي" المرة تلو المرة، حتى لا تترك مجالاً للنسيان ولا حجة للغياب. هذا الصالون الثقافي، الذي يستضيف أسماء كبيرة ولامعة، يضفي على الدوحة بريقا نحتاجه جميعا، يصنع ملاذا للحالمين بالرقي المعرفي، في زمن كسد فيه "الأدب"، وتاهت الحقيقة في "سراديب" الجهل وهيمنة الحياة المادية.