20 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); «التابو ـ Taboo» مصطلح يطلق على «الثوابت» أو «المحظورات» من منظور العرف الاجتماعي، ولا يختص بـ«المحرمات» الدينية، بل إن هذه المحرمات لا تدخل في إطاره ما لم يكن الخروج عليها محظورا اجتماعيا. وقد أدى اختلاف حدود «التابو» وطبيعة التعامل معه من ثقافة لأخرى إلى شيوع فكرة أن «دان براون» يكسر «التابو» مع أن كل رواياته تسير ـ بالضبط ـ داخل الإطار الآمن للتعامل مع الثوابت كما يعرفها مجتمعه ويتعامل معها في الحدود التي تتيحها ثقافته، ولاحظ ـ من فضلك ـ أننا نتحدث عن «مجتمعه» و«ثقافته»، وأن ما يراه المجتمع الأميركي جائزا يمكن أن يكون محظورا من وجهة نظر مجتمعنا نحن ـ العربي ـ أو مجتمع آخر يتبنى ثقافة مختلفة. ليس هذا فحسب، بل إن روايات «براون» ـ وتمشيا مع مهمة تقليدية للقصص البوليسية هي الدعوة إلى «مكارم الأخلاق» ـ تعيد تكريس بعض التابوات التي اهتزت صورتها وتعرض حماها للمناوشات، وعلى هذا فهي لا تكسر التابوات، بل تعيد إصلاح ما انكسر منها. و«شفرة دافنشي» بالتحديد هي الرواية التي أثارت الحديث ـ المغلوط ـ عن كسر التابوات في روايات «براون» مكتسبة صيتا كنموذج على هذا الكسر، ولا شك في أن موضوع «شفرة دافنشي» كان العامل ذا التأثير الأكبر فيما حققته الرواية وكاتبها من نجاح، وموضوعها هو «الغريل» أو كأس المسيح المقدسة، وتتبنى الرواية افتراضا يقول إن الكأس رمز لـ«مريم المجدلية»، التي تزوجها المسيح ـ حسب هذا الافتراض ـ وأنجب منها. أقول «تتبنى الرواية» ولا أقول «تطرح» ولا «تفترض»، ذلك أن هذا الفرض قديم جدا، والرواية تشير إلى أبرز من أطلقوه وتبنوه عبر التاريخ، تشير إلى أخوية «سيون» ـ أو «صهيون» حسب النطق العربي للفظ ـ الجماعة الماسونية التي روجت هذا الافتراض عبر العصور.وإذاً فإن الفرض الذي أثار الجدل بشأن الرواية موجود ـ بل متداول متاح في كتب تاريخية ودينية ـ من قبل، وإثارته ـ على هذا ـ ليست «تابو» على الأقل بالنسبة للمجتمع الأميركي الذي ينتمي «براون» إليه، وبناء عليه فالرواية لم تكسر هذا التابو، بل تولت ـ بالأحرى ـ ترميمه وإصلاحه، حيث يؤكد الفصل الأخير من الرواية أن «سر الكأس المقدسة» ينبغي أن يظل سرا، وتقول الكاهنة الكبرى في أخوية سيون: «ما نهاية الأيام إلا أسطورة اختلقتها عقول مريضة، فليس هناك أي شيء في مذهب الأخوية يعرف على أنه تاريخ محدد يتم فيه الكشف عن الغريل (الكأس المقدسة)، بل الحقيقة هي أن الأخوية قد أكدت دوما على أن الغريل يجب ألا تكشف أبدا». وتؤكد الكاهنة أن «الغموض والسرية التي تلف الغريل هي التي تغذي أرواحنا، لا الغريل بذاتها».إن «شفرة دافنشي» تطرح مؤامرة تدور حول «الغريل»، وسلسلة من الجرائم تجري في إطار ـ وبمناسبة ـ هذه المؤامرة، ولو تأنينا قليلا، وتوقفنا عن اللهاث وراء تفاصيل تقنية مبهرة وغامضة، سنكتشف أن هذه المؤامرة هي مؤامرة من يحاولون كشف سر الغريل، الرواية تقول إن الأشرار هم من يحاولون الكشف، والأخيار يحتفظون بإيمانهم في منطقة الغموض الشفيف، وعلى رأس هؤلاء الأشرار ـ الذين نالوا عقابهم كما يفرض النسق الأخلاقي ـ يأتي «لاري تيبينغ» المؤرخ البريطاني الكسيح، الذي تقدمه الرواية كمجرم. وفي النهاية نرى كيف ينجو ممثل الفاتيكان «القس أرينغاروزا» بل ويتبرع بمبلغ هائل ـ 20 مليون يورو ـ للضحايا الذين قتلهم تابعه المخبول متجاوزا تعليماته، وأذكركم بأن هذا التابع القاتل المخبول مات مقتولا.الشرطة أيضا ـ حارس النظام في المجتمع ـ بريئة، أو على أقل الفروض مخطئة بحسن نية، وهكذا يخرج القارئ من الرواية مؤمنا بضرورة الحفاظ على قدسية الأسرار، والإبقاء عليها كما هي: مجهولة، وواثقا في حسن نية المسؤولين والقادة الذين يتضح أنهم جميعا من «الأخيار». وهل هناك «تصالح» مع التابوات وإصلاح لها أكثر من هذا؟.. ويبقى حديث أخير عن «براون».