10 سبتمبر 2025

تسجيل

الثلاثيات فى زمن الـ140 حرفا

28 أغسطس 2012

القراءة زاد الكتابة، فنحن عندما نقرأ، بقوة العلاقة الطردية نكتب، ثم اننا نكتب لنُقرأ، ليقرأنا المجتمع والكون ومن ثم الأجيال من بعدنا، ان حروفنا هى ميراثنا للأزمنة المُقبلة، أو كما قال توفيق الحكيم " ما من شئ أقوى من الميراث، اذا كان للخلود يد فان الميراث يده التى ينقل بها الكائنات، من زمان الى زمان ". و لكن كيف هو حال الكتاب فى زمن ثورة الهواتف الذكية، والقراءة التويترية السريعة..؟ اننى حقاً أتساءل عن حال الثلاثيات فى هذا الوقت الخاطف..؟ وأعنى بالثلاثيات هنا هى الروايات التى تتألف من أجزاء ثلاثة، لكلٍ جزء منها زمنها وظروفها، وان كانت لها صلة وثيقة بعضها ببعض، وتُعرف أيضاً برواية الأجيال، حيثُ يعمَدُ الأديب على الاستعانة بالامتداد الزمنى الذى يؤدى الى التوّسع فى التصوير، وبالتالى الى اتساع حجم الرواية، التى تُعد أطول الأشكال القصصية حجماً.. وقد يميل بعض كُتاب الرواية أحياناً الى أن يستعيضوا لتطويل المرحلة الزمنية المُتخيلة الى تطويل عرض القضية مع رصد التأثير النفسى والفكرى والعاطفى والاجتماعى فى أكثر من شخصية، وقد يكون الامتداد اما امتداداً طولياً عن طريق اتساع المدة الزمنية، أو امتداداً عرضياً عن طريق التعمق والتفصيل فى تطوير الحدث. ولعلّ أشهر ثلاثية فى الأدب الحديث هى ثلاثية نجيب محفوظ التى ابتدأها ب" بين القصرين، قصر الشوق، والسكرية " وأيضاً ثلاثية أحلام مستغانمى التى تتألف من " ذاكرة الجسد، فوضى الحواس، ومن ثم عابر سرير "و كذلك لا نغفل عن ثلاثية تركى الحمد ألا وهى " العدامة، الشميسي، والكراديب ". فاذا كان كل كتاب يحتوى على 300 صفحة، فأين نجد المتلقى الذى يتميز بالتجلد والصمود حتى يتمّها دون أن تكبله قيود الرتابة، أو أن يتورط الملل فى منتصف رحلة المعرفة.. ان اقبال الناس الى عالم التدوين المصغر بعد أن تخلوا عن التدوين الذى هو أعمق فى العلم، وأعظم فى الفائدة، هو ذات التوجه فى ترك القراءة المطولة، والاتجاه الى القراءة ذات ال 140 حرفاً.. لعلّى بتُ أتيقن أن بعضاً من البرامج التى ابتُكرت لمواكبة العصر بسرعته، والناس بطبعهم، قد يفتك بالابداع، ويقتل حب الاطلاع والقراءة. فالكاتب، يختصر فكرته بجذورها وفروعها وأوراقها وثمارها فى القالب المسموح من الحروف، وكذلك القارئ، لا تعدو قراءته أكثر من ذلك. ولكن لعل الحل، فى تعويد النفس على قراءة الكتاب، فهو أساس المعرفة، وبحر العلم والاطلاع، كذلك، من يجد فى نفسه هوىً للحرف، فليلجأ الى التدوين المطوّل والكتابة باسهاب، لأن ذلك هو الطريق للتطوير والمحاولة لخلق صور بلاغية وخيالات ابداعية، ولتكن برامج التدوين المصغر هى مجرد مصدر للمعرفة وتبادل الثقافات والاطلاع على ثقافات وابداعات الغير..