19 سبتمبر 2025
تسجيللعل منشأ هذه الملاحظات هو أن بعض كتاب المسلسلات الرمضانية هم كتاب موسميون، لا تنفتح شهيتهم للكتابة إلا من أجل رمضان، مع أن ما يكتبون في مجمله لا علاقة له برمضان من قريب أو بعيد. عند مشاهدة أي مسلسل خليجي ستجد نفسك أمام لغة هابطة ليس في عاميتها، ولكن في عباراتها التي تجسد ضحالة التفكير لدى كتابها، ورداءة الثقافة التي يتسمون بها، وفي المسلسلات الرمضانية خاصة الخليجية منها لا تجد أي فكر ناضج من خلال الحوار، ولا أي مستوى متقدم في المناقشة بين أبطال المسلسل. هذا لا يعني أن يكون الحوار بلغة متقعرة وفوقية لأن هذه المسلسلات يشاهدها الكثيرون على اختلاف مستوياتهم الثقافية، ولكن المطلوب هو لهجة ترتفع بمستوى تفكير المشاهد حتى وإن كانت عامية، لغة تضعه وجها لوجه أمام أسئلة ناضجة حول موضوع الحوار بين أبطال المسلسل، وهذا الهبوط في مستوى الحوار في بعض المسلسلات الخليجية أصبح ملحوظا بشكل كبير، رغم كثرة ما مر على كتابها من تجارب سابقة، لكن تلك التجارب لم تفدهم في تطوير لغة الحوار في مسلسلاتهم لتكون بعيدة عن الإسفاف والتدني وضحالة التفكير، وإذا كنا لا نستطيع أن نلمع البطل بإرغامه على التحدث بلغة راقية إذا كان من عامة الناس ذوي الثقافة الضحلة بحكم أوضاعهم الاجتماعية، فليس من اللائق أن ندمر شخصية البطل المتعلم والمثقف، بأن نرغمه على التحدث بلغة هابطة في موقف يقتضي حوارا أكثر رقيا في لغته التي يفترض أن تعبر عن مستوى تعليمه وثقافته العامة، فليس من المنطق في شيء أن تتكلم جميع شخصيات المسلسل بلغة ذات مستوى واحد، رغم اختلاف أدوارهم، ورغم ما يقتضيه كل دور من حوار يختلف مستواه باختلاف الموقف المراد التعبير عنه، أو لنقل مستوى ثقافة الشخصية وخلفيتها الثقافية كما يجب أن تكون في الواقع. وكثيرة هي تلك المواضيع التي تتضمنها تلك المسلسلات وتقتضي لغة متطورة تتناسب مع شخصية البطل، والمستوى الذي يفرضه دوره في العمل الدرامي ذاته. فلماذا لا يطور كتاب المسلسلات الخليجية لغة أبطالهم، ويمنحونهم لغة تناسب أدوارهم في المسلسل؟ هل هذا ناتج عن ضحالة ثقافة الكاتب، بعد أن أصبحت كتابة الدراما الخليجية مقتصرة على أسماء محددة تتكرر في كل مناسبة، خاصة في المسلسلات الرمضانية ذات الطابع المتكرر، والمعالجة السطحية لبعض المشاكل الاجتماعية. وما لا يقل سوءا عن ذلك أن كتاب تلك المسلسلات يظنون أنفسهم على دراية تامة بكل الأمور في المجتمع والحياة حتى تلك الأمور التي تحتاج إلى اختصاص، لذلك يأتي طرحها من قبل أولئك الكتاب ناقصا وفاقدا للمصداقية، في دول أخرى يلجأ منتجو الأعمال الدرامية الناجحة إلى فريق من المتخصصين لكتابة نصوص تلك الأعمال الدرامية، أما كتاب وكاتبات مسلسلاتنا الخليجية فهم أحيانا يخوضون في بحار لا يجيدون السباحة فيها، عندما يتحدثون في الأمور الدينية والاقتصادية والسياسية والنفسية وغيرها دون علم، وبذلك تفقد كتاباتهم تلك المصداقية التي أشرنا إليها. الأمر الأخر الذي يعيب مسلسلاتنا الخليجية هو جنوحها إلى المبالغة المفرطة، في الديكورات والملابس حتى تبدو وكأنها تتحدث عن مجتمعات أخرى غير المجتمع الخليجي، وهذه المبالغة لا يمكن أن تفيد المشاهد، لأنها تنقله من واقع قد يكون بائسا، إلى واقع آخر افتراضي لا يعرف عنه شيئا، وكأنما كتاب وكاتبات هذه المسلسلات قد أخذوا على أنفسهم عهدا لجر المواطن إلى هذا الحياة المزيفة. بدل الحياة الواقعية التي يعيشونها، وكل رمضان وأنتم بخير. [email protected]