12 سبتمبر 2025

تسجيل

فقاعة الذهب

28 أغسطس 2011

أسعار الذهب سجلت رقماً قياسياً يقترب من حاجز 1900 دولار للأوقية لا يمكن المجادلة على أن الذهب يعتبر الاستثمار الآمن في فترات الازمات الاقتصادية والتوترات السياسية والاضطرابات المالية، كالمطبات العنيفة التي تعصف بأسواق المال والنقد في الوقت الحاضر التي افرزت مستجدات تعبر عن تداعيات عالم القطب الواحد الذي أفرز بدوره أزمات من نوع جديد. والحقيقة ان ما يتم الآن من مضاربات محمومة في تجارة الذهب لا يعبر عن المفهوم السائد تاريخيا حول الذهب، كملاذ للمستثمرين الباحثين عن قنوات آمنة لاستثماراتهم بعيداً عن مضاربات أسواق المال وتآكل قيمها وقوتها الشرائية من جراء انخفاض اسعار العملات، وبالاخص الدولار الامريكي. وقبل الاشارة الى بعض الحقائق لا بد في البداية من التنويه الى حقيقتين ميزتا تجارة الذهب في الأشهر القليلة الماضية، اولاهما تضاعف اسعار الذهب اكثر من ثلاث مرات ليرتفع من 445 دولاراً للأوقية في عام 2005 ليسجل رقماً قياسياً يقترب من حاجز 1900 دولار للأوقية في الآونة الاخيرة، حيث تزامن ذلك مع انخفاض الطلب بنسبة 17 % في الربع الثاني من العام الجاري 2011 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وذلك وفق مجلس الذهب العالمي، وهي نسبة كبيرة يفترض أن تسهم في استقرار الاسعار على اقل تقدير، وليس ارتفاعها بهذه الصورة الكبيرة. اما الاشارة الثانية، فانها تكمن في أن شراء العملات والسبائك الذهبية يتراجع في اوروبا والولايات المتحدة، في الوقت الذي يتزايد في كل من الصين والهند، علما بان المستثمرين الاوروبيين والامريكيين اشد حاجة لقنوات استثمارية آمنة بسبب ازمات الديون وتراجع اسعار الاسهم والسندات في الاسواق الاوروبية والأمريكية. ومع انه يمكن تفسير ذلك بتراجع القدرات الاستثمارية في الغرب ونموها في الشرق، الا ان ذلك ليس كافياً لتفسير عملية تراجع الطلب على الذهب في الاطلسي وارتفاعه في القارة الآسيوية الصاعدة التي ما زالت تحقق أعلى معدلات النمو في العالم. من خلال هذين الاتجاهين الواردين في تقرير مجلس الذهب العالمي يمكن الاستنتاج ان "فقاعة" الذهب لن تستمر طويلا، فأسعار الذهب التي اشتد سعيرها في السنوات القليلة الماضية وبالاخص بعد الازمة المالية العالمية في عام 2008 وما تلاها من انهيارات وازمات ديون، ربما تدفع بالسعر نحو مزيد من الارتفاع، كما تشير الى ذلك بعض التقارير، وذلك قبل أن تبدأ عملية التصحيح. وفيما يتعلق بظاهرة الفقاعات بشكل عام، فاإنه يلاحظ ازديادها في السنوات الأخيرة وتحول العالم أكثر نحو الاقتصاد الخدمي المعتمد على المعاملات المالية، وبالاخص في الغرب، فالعقد الأخير وحده شهد ثلاث فقاعات متتالية، ابتداء من فقاعة اسعار الاسهم وتضخيم الاصول في الاوراق المالية ومروراً بفقاعة العقارات واللتين انتهتا بسقوط بنك "ليمان برذار" في سبتمبر من عام 2008. وبما أن المضاربات تشكل أحد أهم أساسيات اقتصاد الخدمات القائم على تضخيم الاصول، فانه مع انتهاء فقاعات اسواق المال والعقار، فقد اتجه المضاربون للذهب وبصورة اقل للنفط الذي تحكمه اعتبارات معقدة بسبب وجود منظمة "الاوبك" كلاعب أساسي في سوق النفط العالمي. وكما هو الحال في الفقاعات السابقة، فقد كان للاعلام دوره المميز والخطير في توليد القناعات، وتشجيع عمليات الشراء والبيع السريعة لتحقيق ارباح خيالية، فتارة هناك هجمة مشتريات للذهب من البنوك المركزية، علما بأن من يقوم بعمليات الشراء اساساً هم البنوك الاستثمارية التي تشكل المضاربات جزءاً أساسياً من أنشطتها، وتارة أخرى الإشارة إلى أن الذهب رغم اقترابه من سعر 1900 للأوقية، فان هذا السعر يبقى اقل من السعر الحقيقي، اي إنه ما زال يتداول بأقل من قيمته الحقيقية! وفي نفس الوقت يقوم مجموعة من الخبراء وصناع القرار بتغذية الإعلام بأخبار وتوقعات مبالغ فيها وكتابة تقارير لا تعكس الواقع بقدر ما تخدم جهات استثمارية، وهو ما أشار إليه العديد من الأكاديميين والباحثين المهنيين المحايدين في أوروبا والولايات المتحدة بعد أن شكلت لجان عديدة لتقييم أسباب الأزمات والفقاعات السابقة.. ومثلما كانت نتائج الفقاعات السابقة مؤلمة جداً، فإن انفجار فقاعة الذهب ستكون قاسية للغاية، وستطول بتداعياتها استثمارات الكثير من بلدان العالم، وبالاخص المؤسسات التي قامت بمشتريات كبيرة من الذهب بأسعار مرتفعة.. الاستثمار في الذهب، هو نصيحة من ذهب، ولكن ضمن أساسيات مهنية بعيدة عن المضاربات والفقاعات المفتعلة، التي تتطلب من الدول والمستثمرين بشكل عام توخي الحذر، والحذر الشديد في الفترة القادمة، فديناصورات المضاربين من الصعب كسر شوكتهم، وذلك بحكم خبرتهم وقوتهم المالية وتغلغلهم في وسائل الإعلام ومراكز اتخاذ القرار في البلدان المتقدمة.