15 سبتمبر 2025
تسجيللم يضف العدوان على قطاع غزة جديدا على صعيد تأكيد الطبيعة الهمجية لقطعان بني صهيون منذ وطأت أقدامهم أراضي فلسطين مع بدايات القرن الفائت والتي ترسخت في حرب 1948 وما تلاها من حروب شاملة على الأمة كلها أو جزئية غير أن ثمة ملاحظات أساسية بوسعي الإشارة إليها في ظل العدوان الأخير والذي بدأ في الثامن من شهر يوليو الجاري، أولى هذه الملاحظات أن الكيان الصهيوني بات أكثر نزوعا للحل العسكري من خلال الاعتماد على آلته الحربية وترسانته من العتاد وأحدث الأسلحة التي جاءت في جلها من الحليف الاستراتيجي الأكبر والمتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية وهو مؤشر على أنه مازال يحتفظ بالعقلية الاستعمارية الاستيطانية التي كانت سائدة خلال القرن التاسع عشر ثم القرن العشرين وأنه لم ينسجم بعد مع التطورات التي طرأت على كيفية التعامل مع النزاعات والصراعات بدليل رفضه التجاوب مع الطروحات الرامية لإيجاد حل للصراع العربي الصهيوني على أساس حل الدولتين والذي بات مقبولا على المستويين الإقليمي والدولي وهو ما يفرض على الطرف العربي بالذات الفلسطيني التفكير في إعادة صياغة مساراته في التعامل مع احتلال يتسم بهذه الطبيعة العدوانية الشرسة التي تابعنا آخر تجلياتها في غزة والتي استندت على القتل العشوائي وبالجملة خاصة في أوساط المدنيين وبشكل خاص الأطفال الذين حظوا بالنسبة الأكبر من ضحايا العدوان الأخير فضلا عن الحرص على تدمير المنازل والمستشفيات والبنية التحتية الهشة بالأساس في القطاع المنكوب، ثانيا: إن العدو الصهيوني لا يقيم وزنا أو اعتبارا لأي تدخلات أو مناشدات للتوقف عن العدوان والقتل فرغم كل المبادرات والمطالب الإقليمية والدولية التي دعته للكف عن توجيه قذائفه سواء من طيرانه أو دباباته أو مدافعه المسددة بغباء على شعب القطاع فإنه لم يتجاوب معها متكئا في ذلك على إسناد سياسي للحليف الاستراتيجي وغيره من الأطراف الغربية التي لم تكن تميز في مواقفها تجاه العدوان بين الجلاد والضحية وهو ما كان – ومازال – يظهر في التصريحات التي تطالب بوقف إطلاق الصواريخ من غزة بالتزامن مع وقف الآلة العسكرية للكيان على نحو ينم عن تهافت في الفكر السياسي الغربي بالذات عندما يتعلق الأمر بهذا الكيان وكأنه خارج سياقات القانون الدولي وحتى عندما استجاب لهدنة وصفت بالإنسانية لمدة 12 ساعة أمس الأول فإنه لم يتوقف خلالها عما أسماه بالأنشطة العملياتية لجيش الاحتلال بل وأصر على الاستمرار في القتل حتى قبيل بدء سريان الهدنة بدقائق ونتج عن ذلك استشهاد أكثر من 35 فلسطينيا من بينهم عائلة بأكملها في منطقة الشجاعية بالقطاع صاحبة النصيب الأكبر من قذائف ورصاص قطعان بني صهيون.ثالثا: إن هذا العدوان أظهر القدرات النوعية العسكرية التي أضحت تتسم بها فصائل المقاومة وفي مقدمتها كتائب عز الدين القسام وسرايا الجهاد خاصة على صعيد امتلاك صواريخ متوسطة وطويلة المدى والتي وصلت إلى مدن ومناطق في فلسطين المحتلة في 1948 وتسببت في إرباك المشهد الداخلي ودفعت الآلاف من قطعان بني صهيون إلى البقاء في الملاجئ والأهم من ذلك أن وصول هذه الصواريخ إلى مطار بن جوريون دفع الكثير من شركات الطيران العالمية إلى وقف رحلاتها إلى الكيان مما شكل ولو جزئيا ضربة لقطاع السياحة ومن ثم للاقتصاد. بيد أن التطور الأكثر نوعية تمثل في عمليات اختراق الصفوف الخلفية لقوات الاحتلال والانخراط في مواجهات معها فضلا عن الدخول في اشتباكات مباشرة مع القوات التي دخلت إلى أراضي قطاع غزة والتي أسفرت- إلى جانب عمليات زرع العبوات الناسفة والقنص وتوجيه ضربات للآليات العسكرية- عن مقتل أكثر من 50 ضابطا وجنديا وفق بيانات كتائب عز الدين القسام وأكثر من 37 حسب اعترافات جيش الاحتلال نفسه إلى جانب امتلاك قدرات معينة مكنتها من إصابة مقاتلين من طراز إف 16 وهو ما يوجه رسالة لقطعان بني صهيون مؤداها أن المقاومة رقم صعب في معادلة الصراع ولم تعد تتلقى الضربات مختبئة تحت الأرض بل تواجه وتحقق مردودا يتسق مع إمكاناتها واللافت في هذا السياق أن فصائل المقاومة غدت تمتلك رؤية إستراتيجية وتكتيكات عسكرية مغايرة للحروب السابقة التي واجهت فيها قوات الكيان سواء في 2008 أو في 2012 مما جعلها أكثر ثباتا على الأرض وأكثر قدرة على المناورة مما جعل خسائرها في الأفراد والمعدات أقل بكثير مما كان يتوقع العدو الذي صب جم غضبه على المدنيين والأطفال وتلك فضيحته الكبرى في هذه المعركة التي تشكل له هزيمة بكل المقاييس ولو على المستوى النفسي رغم مما يتبجح به نتنياهو ووزير دفاعه من "أن جيش الدفاع يمضي قدما في تحقيق أهدافه من الحرب على غزة".رابعا: ثمة تغيير واضح في الخطاب السياسي للقيادة الفلسطينية المتمثلة في الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن باتجاه التعامل مع قطاع غزة بحسبانه جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية وهو ما بدا في حرصه على التوجه إلى الدوحة الأسبوع المنصرم للقاء خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية – حماس – والذي وصف بأنه إيجابي الأمر الذي شكل حائط صد في مواجهة محاولات المراهنة على تباين الموقف الفلسطيني. ورغم تباين موقفي كل من السلطة وحماس إزاء المبادرات السياسية المطروحة فإنه كان ثمة توافق على المطالب الفلسطينية الضرورية التي يتعين أن تلبيها أي مبادرة للحل أو لوقف العدوان وهو ما تجلى في المقترحات التي أعلنتها القيادة الفلسطينية عقب جولتها في كل من مصر وقطر والكويت والتي لم تخرج كثيرا عن مطالب فصائل المقاومة بل تبنى اجتماع منظمة التحرير الفلسطينية في رام الله -عقب عودة أبو مازن إليها من جولته العربية -هذه المطالب خاصة فيما يتعلق برفع الحصار.خامسا: تحرك العالم تجاه منطقة الشرق الأوسط في محاولة لرموزه من وزراء الخارجية الذين تدفقوا على عواصمها لكن للأسف لم يتمكن من دفع الكيان إلى وقف دائم لإطلاق النار بل أثمر عن هدنة إنسانية لنصف نهار وجاء مؤتمر باريس للمطالبة بها هدنة أكثر اتساعا زمنيا. والغريب أن الجامعة العربية في بداية العدوان أعلنت عن رغبتها في قيام الولايات المتحدة بممارسة ضغوط على قادة قطعان بني صهيون لوقفه. الأمر الذي كان مبعثا لانتقادي في لقاء مع محطة فضائية مصرية. بحسبانه إعادة إنتاج لمقولة الرئيس المصري الراحل أنور السادات والتي وضع فيها 99 في المائة من أوراق الصراع العربي الإسرائيلي في سلة واشنطن وهو ما ثبت بطلانه بالضرورة. ومن ثم فإن الحل يكمن أولا في الفلسطينيين من خلال مشاركتهم في انتفاضة مدنية سلمية في الضفة وغزة ثم في العرب الذين يتعين أن يغيروا من منهجية إصدار البيانات إلى تبني آليات عملية لدعم هذه الانتفاضة حتى تحقق أهدافها في دفع الكيان إلى الانسحاب من الأراضي المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف دون ذلك لا أفق ينتظر الشعب الفلسطيني.