13 سبتمبر 2025
تسجيلالطغاة إن تمكنوا في الأرض فلن يزيدوها إلا معصية لله وارتكاباً للمجازر كنت كثيراً ما أفكر في تلك المكانة الرفيعة والدرجة العالية التي خصّها الله تبارك وتعالى للشخص الذي يقول الحق ولا يخاف في الله لومة لائم وإن كان سيدفع حياته جرّاء ذلك الحق، وسرعان ما أستدرك أن الله تعالى هو "الحق" سبحانه فكيف إذن لا يرفع درجة من يدفع حياته في سبيل قول "الحق" وما يندرج تحت هذا الحق من توحيد لله في زمن الشرك أو دفاع عن حقوق المظلومين في زمن الظلم أو شهادة حق تقال في زمن تكاثرت فيه شهادات الزور وإسكات الألسنة .. بل وتعدى ذلك إلى قطع الألسنة من الأفواه كما حدث مؤخراً في زمن الدكتور الدكتاتور بشّار الأسد .. في سوريا الصامدة .. فك الله أسر أهلها من جور الظلمة. عندما قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : (سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى سلطان جائر فأمره ونهاه فقتله )، إن من يقرأ هذا الحديث ليجد أن هناك منزلة رفيعة لهذا الشخص الذي تحلّى بصفة الشجاعة في قول الحقيقة، فهو في منزلة رفيعة ودرجة عالية جعلته عند الله سيداً على غيره من الشهداء، أي دون أن يخوض معركة واحدة في حياته، وإنما هي معركة خطابية كلامية كتابية .. سمّها ما شئت، المهم أنها معركة سلمية تتعلق بقول الحقيقة لفظاً أو معنى وبصورة واضحة غير ملتوية وغير مشوّشة، والمعنى هو أن يقولها فيكون صادقاً مع الله في قولها، وإن كان صادقاً مع الله وطالباً رضاه من وراء تلك الحقيقة فإنه إذن لن يبالي بما سوف يحدث له وما سيحاك ضدّه أو ما يصدر في حقّه من أحكام جائرة قد تصل إلى أن يفقد حياته بسبب تلك الحقيقة. حقيقة عندما أرى تلك المكانة الرفيعة لذلك الشخص المتحلّي بتلك الشجاعة لأجد نفسي مطلقاً العنان أمام شخصية ذات تميّز في حياتها، فهو لاينحني إذا الناس انحنوا، ولا يطأطئ رأسه إلا وهو ساجد لله تعالى، ولا يسأل أحداً ولا يمد يديه إلا لله عز وجل في دعائه له، ولا يتفوه بكلمات المدح والتضخيم والتفخيم لمن لا يستحقون ممن يظلمون ولا ينصفون ويحكمون فلا يعدلون. فهل تستحق تلك الشخصية أن يجلي قدرها ويرفع قيمتها الله ورسوله إلى رتبة عسكرية تفوق سائر الرتب وتتميز على سائر الأوصاف .. ( سيد الشهداء ) .. أتعرف ما معنى سيد الشهداء ؟ إنه يفوق بقدره ومكانته من يحمل السيوف ويشق الصفوف ويجيد استخدام جميع أنواع الأسلحة ويجيد الرماية وركوب الخيل أو الطائرات الحربية ونحوها، ويفوق الأوائل بإمكانياتهم ومهاراتهم وتفوقهم على نظرائهم في كل الدفعات من خريجي الكليات العسكرية في كل مكان وأي زمان، بالرغم من أنه لايجيد جميع مهاراتهم ولا يخوض المعارك كما يخوضون مجهّزين محتاطين متأهبين .. كلا .. إنه لا يفعل شيئاً من ذلك وإنما يحمل إيماناً يهزّ كل ذلك ويتفوق عليه في لحظة، ويحمل في قلبه فؤاداً يهفو إلى الله فلا يبالي إن دنت نهايته أم تأخرت، فإن دنت النهاية فهو إلى جنان الخلد ذاهب، وإن تأخرت فإلى مزيد من العبادة لربه في مقتبل الأيام والسنين. أيستحق فعلاً أن يلقّب مثل هذا بهذا السخاء والعطاء من رب العباد، وذلك التكريم والتشريف من سيد البشر أجمعين .. يالسذاجتي، نعم إنه يستحق دون أدنى تفكير، طالما أن الخالق أخبر بذلك فهو يستحق .. "سمعاً وطاعة يارب"، وطالما أن رسولنا أخبر بذلك .. فهو يستحق .."صلوات ربي وسلامه عليك يارسول الله" ، ولكن مهلاً .. أليس في ذلك اللقب شيئ نجهله ؟! ، إن كل ما يؤول بنا من ضعف وهزيمة وذل مردّه إلى أننا افتقدنا تلك الشخصيات في كل نواحي الحياة، فمن سكت عن قول الحقيقة أمام سلطان جائر كان كمن أيّده في ظلمه، ومن أيّده في ظلمه كان كمن ارتكب الظلم بنفسه، ليس هذا فحسب ، بل إن عدم قوله للحقيقة يعني أنه خائف من السلطان في كل وقت وزمان، ومن لم يخف إلا من ربه فحريٌ بالعظيم أن يعظّم شأنه في نفسه ويصغّر أعداءه في ناظريه فتجده يراهم لا شيء .. ويرونه منتحراً أو بائعاً لنفسه ويرونه هادماً لمستقبله في حين أنه ينظر مالا ينظرون ويقتنع بما لايقتنعون .. فهو إن كان منتحراً في نظرهم فهو بائع لنفسه لله، وإن كان مضيّعاً وهادماً لمستقبله في نظرهم فإنه مؤمّناً لمصيره الأبدي في الآخره، وإن كان مخرّباً بيته بنفسه في نظرهم فإنه بانٍ لنفسه ولأهله أجمل القصور في الجنة .. واقرأ إن شئت ( ولسوف يعطيك ربك فترضى). إن الناظر لأولئك الطغاة الذين طغوا في البلاد في مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا وغيرها من الدول وما أحدثوه من فساد واستعباد للناس ما هو إلا جراء السكوت عن قول الحقيقة في وجوههم القبيحة ليجد أن مصيبتنا الكبرى في أننا عظّمنا هؤلاء الطغاة في نفوسنا فرأيناهم شيئاً يُذكر وهم في الواقع لاشيء يُذكر، خاصة بعد أن شاهدنا مجازرهم في حق شعوبهم، وما ارتكبه أعوانهم من قتل وترويع للآمنين والأبرياء في أوطانهم، أهؤلاء الطغاة فعلاً كانوا يستحقون أن تنثر الورود في طريقهم أو تفرش السجادة الحمراء أمامهم والناس يهتفون لهم ويدعون الله من أجل إطالة عمرهم ؟!، وهم الآن يمشون على الناس كما قد مشوا على السجاد الأحمر المصبوغ بدماء شعوبهم الطاهرة، لا يبالون بأن يسمعوا دعوات المظلومين من تحت أقدامهم بأن يقصّر الله في أعمارهم وأن يأخذهم أخذ عزيز مقتدر، لأن هؤلاء الطغاة إن تمكنوا في الأرض فلن يزيدوها إلا معصية لله وارتكاباً للمجازر يوماً بعد آخر، بل ولن يتركوا الحكم لغيرهم بسهولة كما فعل الطاغية علي عبدالله صالح ويفعل المعتوه القذافي وفي الطريق نفسه يمشي بشار الأسد ونحن نتخيل تلك المشاهد والمقتطفات التي تعرضها قناة الجزيرة دائماً في تقاريرها وهو يمشي مزهواً بنفسه في مجلس الشعب السوري وهم يهتفون ويصفقون له ويمجدونه حتى اعتراه الغرور فاحمرّت وجناته وانتشى ضاحكاً .. ( إنه كان في أهله مسرورا )، فأيقنت بأن مثل تلك الزعامات لم تنتهر يوماً ما بعد ذلك النفاق وتلك المجاملات، أفلا يحق لهم بعد ذلك أن يتمسكوا بالحكم حتى وإن مكث أحدهم أربعين سنة كالقذافي، أفلا يحق لهم بعد ذلك أن يروا الناس حشرات أو جرذانا لا تستحق إلا أن تداس كما قال القذافي، أفلا يحق لهم أن "يستأسدوا" هم وزبانيتهم وأعوانهم على الناس فيسحقونهم بالدبابات ويقفون فوق أجسادهم وجثثهم كما فعل الأسد وجنوده، فهلا فهمنا الدرس أخيراً وآمنّا بأن خلاصنا من ذلك كلّه .. يكون بأن نطلق العنان لأنفسنا ونتنافس جميعنا على منصب " سيّد الشهداء " .. فهلا فعلنا ؟.