15 سبتمبر 2025
تسجيليعجبني في الشيخ الدكتور عبد السلام البسيوني (الزفتاوي قبل تعديل الجينات)، أنه سخي بقلمه وفكره، ويحرص على ملء قليل وقت الفراغ الذي يحظى به في التنقيب في أمهات الكتب والكتابة (أتوقف هنا قليلا لأحتج على نسبة الكتب عالية القيمة إلى الأمهات، أي النساء دون الآباء، بينما لا توجد في المكتبة مؤلفات لبنت سينا وبنت خلدون وبنت حيان، وبنت حزم وبنت النفيس، بل وعندما يتعلق الأمر بكارثة مثل الإبادة الجماعية، ينسب الأمر إلى الرجال، فيقال إنهم «ماتوا عن بكرة أبيهم»- يعني من باب الموازنة كان ينبغي أن يقال إن مجموعة منهم ماتت عن «بكرة أمهاتهم»، ثم انظر نسبة واحد من أقبح الحيوانات إلى الرجال «ابن آوى»). البسيوني معروف في العديد من الأوساط كداعية إسلامي، ومن ثم يفترض من لا يعرفونه جيدا ولا يقرأون مؤلفاته، وهي بالعشرات أنه محنط الفكر جامده، ومنغلق ومتخلف كما هي الصورة النمطية للدعاة في أذهان البعض، بينما الرجل فنان بالقلم والريشة والكلمة وشاعر وزجال (اكتب علم الجمال في الإسلام في منصة يوتيوب لتطرب)، وله أسفار في فن العمارة الإسلامية مشفوعة بصورة فوتوغرافية بديعة، وأخرى عن معمار الخط العربي وحتى وهو على المنابر خائضا في أمور الدين والفقه فإن البسيوني لا يرى بأسا في رواية الطرف والملح، أو في اللجوء إلى العربية العامية لشرح أمر ما، وما أنا بصدده اليوم هو مجموعة من الصور القلمية لأنماط من الرجال شرشحها البسيوني، وزودني بها مشكورا كعادته منذ أن لحق بركب العصر، وصار بارعا في التعامل بالتكنولوجيا، ولضيق الحيز المتاح لي هنا سأكتفي بصورة «عباس الحيطة»، التي يقول عنها «لا أشك أن حضرتك قد قرأت بعضًا من سيرته النضالية العطرة التي دونها الشاعر المتميز أحمد مطر، بشكل فاجع مكثف، يدعو للتقيؤ، هذا إذا لم يدفع للانتحار هروبًا من (خلقة) هذا العباس (اللي ما عندهوش ريحة الدم)»- وسامح الله البسيوني ومطر على اختيار عباس من دون بقية الناس لنشر غسيله على الملأ. يقول «عبسلام» البسيوني إن أهم ملامح شخصية عباس هذا أنه (جدار) مسلوب الأحاسيس: تلطمه على خده فلا ينتبه! تصفعه على قفاه فلا يهتم! تلعن (اللي خلفوه) فلا يبالي! يفعل به أعداؤه الأفاعيل، ويسوون فيه الهوايل، وهو (آخر تمام) لا يحمر له وجه، ولا يرف له جفن. بل إنه كثيرًا ما يكرم اللصوص إذا دخلوا بيته (لينفِّضوه)؛ على أساس أن إكرام الضيف واجب، وأن مكارم الأخلاق العباسية تقتضي الترحيب بالسيد الضيف، حتى لو قال بنفسه إنه يدخل سارقًا مستبيحَا! واسبح مع البسيوني في فضاء أحمد مطر قليلاً، وانظر شيئًا من أخلاق أخينا عباس حفظه الله: عبر اللصُّ إليه وحل ببيتهْ/ أصبح ضيفَه/ قدّم عباسُ له القهوة.. ومضى يصقل سيفه/ صرخت زوجته: عباس: أبناؤك قتلى../ عباس: ضيفك راودني../ عباس: قم أنقذني يا عباس/ عباسُ وراء المتراس.. منتبهٌ لم يسمع شيئًا/ زوجته تغتاب الناس! قصيدة عباس الحيطة مبذولة على النت، وما يريد البسيوني التنبيه له هو رمزيتها: موت النخوة والمروءة وانطفاء الرجولة، فاللص يسرق الأرض وينتهك العرض وعباس بلا سلاح سوى العنتريات اللفظية، ويمضي البسيوني قائلا في شأن هذا الرجل الجدار الحجري: لقد مزقوا قرآنه - كلام ربه تعالى - ووضعوه في المراحيض، وسخروا منه ومن دينه، وهو يبتسم، ويرسم علامة النصر بإصبعيه، وكأن هذا القرآن لا يعنيه! رغم أنه يعلن أنه مسلم، يخاف الله في السر والعلانية واتهموه هو وذريته بالتخلف والإرهاب والظلامية وعداوة الحضارة، وهو لا يبالي، ولا يهتم، لأنه واثق أنه أنظف واحد في الكون، وأن الذين يرمون هذه الاتهامات (مش قصدهم) فهم إما لا يعنونه، أو لا يقصدون هذا الكلام! «وجاء السماسرة فأخذوا بيوت عباس وأراضيه، وميراثه، وما تستحقه ذريته، حينًا بشيء من الثمن الذي يدفعه بشماله ثم يستعيده بيمينه وفوقه بوسة، وحينًا بالهبة، وحينًا (بالدراع)، وحينًا كان يرجوهم أن يأخذوها، فيرفضون حتى يقبل أرجلهم، ويقدم لهم بعض الهدايا!» لا عليك يا شيخنا البسيوني فما أكثر العبابيس المتاعيس في زمننا هذا.