12 سبتمبر 2025

تسجيل

مخلص في عبادته

28 يونيو 2015

إن المغريات في الحياة الدنيا كثيرة لذلك نحتاج إلى الصبر العظيم والإرادة القوية لعدم الوقوع في المعصية، فالمسلم شخصيته اجتماعية تقف عند أوامر الله تعالى ونواهيه في السلوكيات عامة وكيفية المعاملة مع الناس، فمن هذا الأصل الكبير من أصول العقيدة الإسلامية تتفرع الأخلاق الاجتماعية التي يتحلى بها المسلم التقي المرهف في سلوكه، وعلى هذا الأساس المتين يقيم المسلم الصادق علاقاته الاجتماعية مع الناس، فهو صابر مع الناس جميعا لأن هدي الإسلام الذي تغلغل في كيانه علمه، فالإخلاص رأس الفضائل وأساس مكارم الأخلاق، والإنسان يخلص العمل لله تعالى طمعا في نيل الثواب والأجر وإننا في هذه الأيام المباركة أيام رمضان والتي فرض الله علينا صيامه والذي يعد عنوانا للإخلاص والقرب من الله تعالى، فعندما يسطع شعاعه في النفس يزداد المرء قربا لله تعالى، وأشد ما يكون تألقا في الشدائد المحرجة فإن الإنسان عندها ينسلخ من أهوائه ويبرأ من أخطائه ويقف في ساحة الله أوابا , يرجو رحمته ويخاف عذابه, فالقلب المقفر من الإخلاص, لا ينبت قبولا كالحجر المكسو بالتراب لا يخرج زرعا والقشور الخادعة لا تغني عن اللباب الرديء شيئا, إلا ما أنفس الإخلاص وأغزر بركته أنه يخالط القليل فينميه حتى يزن الجبال ويخلو منه الكثير من العمل فلا يزن عند الله هباءة، ويظهر أن تفاوت الأجور التي رصدت للحسنات من عشرة أضعاف إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة يعود إلى سر الإخلاص الكامن في خفاي الصدور وهو ما لا يطلع عليه إلا عالم الغيب والشهادة.فعلى قدر نقاء السريرة وسعة النفع تكتب الأضعاف وليس ظاهر الإنسان ولا ظاهر الحياة الدنيا هو الذي يمنحه من الله رضوانه، فإن الله تبارك وتعالى يقبل على عباده المخبتين المخلصين ويقبل منهم ما يتقربون به إليه أما ما عدا ذلك من زخارف الدنيا وتكلفات البشر فلا قيمة له ولا اكتراث به لذلك يعلمنا الهدي النبوي إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم فمن ربط حياته بهذه الحقائق فقد استراح في معاشه ، وتأهب لمعاده فلا يضيره ما فقد ولا يحزنه ما قدم وحرارة الإخلاص تنطفئ رويدا رويدا، كلما هاجت في النفس نوازع الأثرة والأنانية بحب الذات والتلذذ بالثناء بين الناس وحب السمعة، والتطلع إلى الجاه والرغبة في التصيت وحب العلو والافتخار، وما يعد ذلك إلا من نواقض الإخلاص التي تدمر الأعمال الصالحة ولا تجعل لها قيمة عند الله تعالى وما تكون إلا هباء منثورا وتعود على صاحبها بالخسران، إن الله تعالى لا يحب من العمل إلا النقي من الشوائب المكدرة وتكمن الخطورة الشديدة لهذا المرض الفتاك بالأعمال الصالحة والمدمر لها وهو الأنانية والتطلع لحب المدح، إن عدم الإخلاص محبط للعمل, فلا يجني العامل من عمله إلا الحسرة والندامة، فرب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر والتعب، فبذلك يخسر الإنسان الخسران المبين وفي كثير من الأحيان يكون مرضا خفيا لا يظهر للناس ولا يرى من صاحبه إلا الأعمال الطيبة، بل يعد خفيا جدا حتى على صاحبه وخاصة عندما ينتبه أن الناس ينظرون إليه أو يتتبعونه ومنه ومن أظهر عوارض الإخلاص وأشهرها الرياء الذي يمكن أن نقول بأنه العمل لأجل البشر وهناك عارض آخر يطرأ على الإخلاص ولا يقل خطورة عن سابقه وربما يكون قسيما له لكن قل من يتفطن له وهو عبادة النفس بأن يعمل العامل العمل لأجل نفسه وامتداحها والثناء عليها فالمرائي يعمل العمل لأجل أن يقول عنه الآخرون ما يحب من الثناء وصاحبنا يعمل لأجل أن يقول هو عن نفسه، لأجل أن يرضي نفسه فيفرح في الدنيا ويسعد أمام الناس ويخسر في الأخرة يوم لا ينفع سمعة ولا رياء.