15 سبتمبر 2025
تسجيلالذي يعاب من الكلام هو فَضْله أيْ زيادته، والإكثار منه دونما حاجة داعية إليه، وبلا طائل منه، لجلب نفع أو دفع ضرر، وعدم الاقتصار منه على قدر الحاجة، أو إتيانه في غير موضعه بما لا يناسب الحال والمقام، وصدق الإمام مالك بن أنس ذو الأقوال الخالدة في التاريخ، الجديرة بأن تخط بأغلى من ماء الذهب، إذ قال:(كل شيء ينتفع بفضله إلا الكلام فإنّ فَضْلَه يضر)، وكان رحمه الله يكره كثرة الكلام ويعيبه ويقول:(لا يوجد إلا في النساء والضعفاء)؛ لأنه بذلك يصير ثرثرة، يكثر فيه سقط وخطأ قائله، وينزل به إلى الهذيان والهراء، فيجلب إلى نفسه آفات ومثالب تذهب بالمحاسن والمناقب، يعرفها الجميع، ولا يسلم منها إلا القليل، لعل أخفها ضرراً شُغْله فيما لا يعنيه، وأشدها ضرراً الغيبة والنميمة والكذب والرَفَث والخَنَا- هما فحش القول وهُجْره- والمراء، وغيرها من آفات اللسان التي تفسد على المرء دينه ودنياه وأخراه، إذ لا يستقيم معها القلب والإيمان، فقد قال عليه الصلاة والسلام:(لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه)، فكما ترى أن اللسان سبب وشرط في استقامة القلب، الذي هو سبب في استقامة الإيمان.حينئذ يكون الصمت أولى بالفضل وشرف المنزلة، ويكون فيه الخير والنجاة والسلامة للمرء، ويصبح زينة يُتحلى بها، عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنّ لقمانَ كان عند داود، عليه السلام، وهو يَسْرِدُ الدِّرعَ- يصنعها- فجعل يفتِلُه هكذا بيده، فجعل لقمان يتعجب ويريد أن يسأله، فتمنعُه حِكمته أن يسأل، فلمّا فرغ منها ضمّها على نفسه، وقال: نعِم درعُ الحرب هذه، فقال لقمان: إنّ الصمتَ من الحُكْمِ- أي الحكمة- وقليلٌ فاعله، كنتُ أريد أن أسألك، فسكتُّ حتى كَفَيتني. ومما قاله الشعراء في هذا المعنى، قول أبي العتاهية:عليك بما يَعنيك من كل ما ترى وبالصمت إلا عن جميلٍ تقولهُوقول أبي نواس:إنـما الـعاقل مـن أَلـجم فـاهُ بلجــامِمت بداء الصمت خيرٌ لك من داءِ الكلاموقول آخر: إذا ما لسانُ المرءِ أكثرَ هَذْرُهُ فذاك لسان بالبلاء مُوَكلُإذا شئت أن تحيا سعيداً مُسلَّماً فدبّر وميّز ما تقول وتفعل