13 سبتمبر 2025
تسجيلما حدث منذ عدة أيام في الكويت وتونس وقبلهما في المملكة العربية السعودية، من تفجيرات إرهابية في بيوت الله، وقتل المسلمين وهم ساجدون لله في وقت الصلاة، لهو أمر خطير، بمعنى أن التطرف والتكفير يزداد، برغم هزائمه العسكرية منذ عقود، وهذا يستدعي إستراتيجية جديدة لا تعتمد على القوة العسكرية وحدها، فالفكر جد خطير، لذلك لابد من تجفيف منابع التكفير وغلق قنوات التحريض وخطاب الكراهية من كل الأطراف في الساحة الإعلامية الإسلامية.لا شك أن ظاهرة التطرف ظاهرة عالمية، وما يستتبعها من إفرازات أخرى، العنف والإرهاب، وأصبحت تؤرق الإنسانية بتلك من حيث الأفكار والأساليب التي تستخدمها، ومنها ظاهرة التكفير عند المسلمين، واستخدام العنف لفرض أفكارهم على الآخرين، صحيح أن الغلو والتكفير والعنف، أسبابه عديدة، فكرية وسياسية، واجتماعيا، وأسرية، ويقتاد على بعض الظواهر والأسباب،ويرى البعض أن هناك تقصيرا من جانب بعض العلماء والمفكرين الإسلاميين، في نشر وإبراز الرؤية الإسلامية الصحيح، والتعاطي الجدي مع ظاهرة الغلو والتطرف في فهم الدين القويم، فالتطرف والتكفير ظاهرة ليست مع داعش والنصرة وأنصار الشريعة، بل هو ظهر منذ عقود طويلة بالنسبة لعصرنا الراهن، وعندما ظهرت جماعات العنف السياسي في مصر منذ عدة عقود وقاموا بقتل واغتيال الكثير من السياسيين تحت يافطة إقامة حكم الله في الأرض.ولا شك أن ظاهرة الإرهاب والتطرف ظاهرة مركبة ومعقدة، ومن الإنصاف أن تكون النظرة إليها شاملة ومتوازنة ولا تقف عند عامل واحد فقط ونغض الطرف عن الأسباب الأخرى التي ربما تكون هي العامل الحاسم في هذه المشكلة أو الظاهرة التي تجتاح العالم كله وليس عالمنا العربي والإسلامي فقط.فالبعض يرجع قضية الإرهاب والتطرف إلى الجهل وقلة العلم والفهم بأمور الدين والدنيا, والبعض الآخر أيضا يراها نتيجة من نتائج الفقر والبطالة في العديد من المجتمعات العربية, والبعض الآخر أيضا يراها نتيجة من نتائج القمع السياسي والاستبداد وغياب الحرية والديمقراطية ويراها البعض الآخر مشكلة نفسية واجتماعية وأسرية .. إلخ.والذي يدعو إلى الأسف أن مصطلح الإرهاب لا يزال ورقة يتلاعب بها الكثيرون ويتقاذفون بها كالكرة فيما بينهم، وكل يوصم الآخر بالإرهاب وكل مشكلة داخلية يعانيها بلد ما، ترفع التهمة الجاهزة على البعض الآخر بالإرهاب، وبدلاً من اتخاذ الوسائل السلمية والقوانين المرعية، وحقوق الإنسان لحل هذه المشكلات ـ والتي تختلف من بلد إلى الآخر ـ فإن شعار الإرهاب بات الآن سيفاً مسلطاً بلا معايير دقيقة لتقييده، وهذه إشكالية ربما تساعد في ازدهار الإرهاب لا في استئصاله. ورغم أن الإرهاب قضية عالمية إلا أنه بقي خارج دائرة الاتفاق لجهة تعريفه، رغم ما تضمنته قواميس اللغة وكتابات الفقهاء من اجتهادات للتعبير عن الظاهرة، لكنها لم تفلح جميعها في وضع ضوابط ومعايير محددة للفصل بين الفعل الإرهابي وما سواه، الأمر الذي أدى حتى بأولئك المهتمين بدراسة هذه الظاهرة، إلى مواصلة بحوثهم ودراساتهم دون الاكتراث بتعريفها.وعدم الاتفاق على تعريف محدد للإرهاب نابع بالدرجة الأولى من تسييسه، ووضع الاعتبارات القانونية خارج الحسبان، رغم هويته القانونية في الأساس، وقد أدى ذلك بدوره إلى اختلاط الأوراق وتباعد المواقف، فلم يعد مستغرباً أن نشاهد حكومات، أو جماعات ترتكب حماقات وتقوم بأعمال الإبادة البشعة بحق الإنسان، باسم مكافحة الإرهاب، ولم يعد خافياً أن يستخدم الإرهاب ـ جسراً لتحقيق أهداف ومكاسب شخصية أو حزبية أو قومية أو إسلاميةوليس أقوى داعم للإرهاب وثقافة العنف مثل تجاهل أسبابه الكامنة والموضوعية لقيامه وانتشاره في المجتمعات الحديثة، وخاصة في عصر الثورة المعلوماتية والعولمة في جانبها السلبي، فإن التطرف والإرهاب سوف يعشش ويقتات من هذه السلبيات التي تزداد بازدياد أنظمته العالمية الجائزة والمجحفة في تعاملها الاقتصادي وفق النظرية الدار ونية البقاء للأقوى "بدل البقاء للأصلح !أيضاً من السلبيات التي تسهم في انتعاش ثقافة العنف الازدواجية والمعايير في السياسة الدولية، والكيل بمكيالين عند التعاطي معها، والتي أصبحت ظاهرة تؤرق العالم، والشعور بالظلم إزاء بعض القضايا التي باتت تستعصي على الهضم والتقبل، مثل معاناة الشعبين والفلسطيني العراقي، والأزمة السورة التي سببت كوارث للشعب السوري منذ أربعة أعوام، والكوارث الإنسانية التي يلاقيها هذه الشعوب،. فالتعاطي بالازدواجية في الكثير من القضايا، أثمر الكثير من الكراهية غير المبررة في بعض الأحيان، ومنها الإرهاب والتطرف والتكفير والغلو، الذي تعاني منه الإنسانية، لذلك فإن أفضل الخطوات لوقف هذا الإرهاب واستئصاله، هو البحث الجاد عن أسبابه وإيجاد المخارج المنطقية والعقلانية لتجفيف منابعه بالحكمة أولاً، ثم بالتعاطي العادل مع مسبباته بالأسلوب المناسب الذي ينهي كامل جذوره الفكرية والعسكرية.القاعدة الأساس التي يبني الإسلام العلاقة الداخلية بين أبنائه على ضوئها، بما يكفل وحدتهم وتكاتفهم ويضمن تحقيق الأمن الاجتماعي وإزالة كل عوامل التوتر، هي قاعدة الأخوّة الإيمانية بما تعنيه من أن المسلم ليس مجرد صديق أو رفيق أو نظير للمسلم الآخر بل هو قبل ذلك أخوه {إنما المؤمنون إخوةٌ فأصلحوا بين أخَوَيكم واتقوا الله لعلكم تُرحمون}[سورة الحجرات:10] ، والأخوة ليست مجرد شعار يرفع أو نشيد يتلى، إنها نظام متكامل يتألف من مجموعة من الحقوق والواجبات، لا بدّ من ترجمتها عملياً من خلال التكافل والتعاون بين الإخوة، والحماية والنصرة لبعضهم البعض ودفع الأذى وكف اللسان عن الآخر، إلى غير ذلك من الحقوق والواجبات التي أكدت عليها النصوص القرآنية والنبوية.