16 سبتمبر 2025
تسجيللأنها حركة تاريخية وغير مسبوقة فإن تسليم مقاليد الحكم لصاحب السمو الشيخ تميم الذي قرره ونفذه حضرة صاحب السمو الشيخ حمد سيبقى مثيرا للتعاليق والتحاليل في دوائر القرار العالمية والإعلام الدولي وهذا مظهر عادي من مظاهر اهتمام الرأي العام بالحدث مهما كانت التكهنات والتخمينات إلا أننا نسجل باعتزاز غلبة الإيجابيات بقوة على بعض أخطاء الفهم والتقييم واتساع فضاء المرحبين بهذه الحركة والمتفائلين بهذا العمل السياسي والحضاري الصالح وذلك لا في قطر وحدها بل في منطقة الخليج العربي الذي هب قادته لتقديم التهاني بحضورهم الشخصي وفي إقليم الشرق الأوسط الذي تعامل زعماؤه مع الحدث باستشراف مستقبلي واعد وفي العالم بأسره، حيث لم تعد قطر ذلك البلد الصغير حينما تأكد العالم بأن قطر حلقة ذات أهمية في العلاقات الدولية وعنصر سلام دولي وعامل استقرار على أسس مبادئ ميثاق الأمم المتحدة أي أسس حقوق الإنسان وحرية خيار الشعوب وحل النزاعات بالحوار. إن العمل التاريخي الذي قام به الأمير وهو في عز العطاء يؤكد مراهنته على طاقات الشباب وكما قال في كلمة الثلاثاء فإن الجيل الجديد الذي يمثله أفضل تمثيل وأصدقه صاحب السمو الشيخ تميم لقادر وكفء على إدارة شؤون البلاد بنفس العزيمة ونفس الإخلاص حتى يواكب تطورات العالم من حولنا ويواصل حمل المشعل. إنه الوعي الفريد بمستحقات اللحظة والحجة التي ما فوقها حجة على أن الشيخ حمد عندما تسلم مقاليد الحكم في 27 يونيو 1995 لم يكن همه الخلود في السلطة ولا بهرج الحكم بل كان وظل طوال 18 سنة هدفه الأول والأكبر خدمة الناس والتقدم بالدولة وهاهو شعبه الوفي يقطف ثمار ذلك الغرس في كل المجالات لأن ما شهدته قطر في عهده يعد معجزة حقيقية قادها هو بنفسه وشاركه فيها منذ شبابه ابنه وحامل رايته الشيخ تميم وسانده فيها كل مواطن قطري وكل مواطنة قطرية. وأنا قدر لي بحكمة من الله تعالى أن أعيش في قطر أجمل سنوات العمر منذ تعرفت على الشيخ حمد بن خليفة حين كان وليا للعهد سنة 1990 في غمرة ومأساة احتلال صدام حسين للكويت وكنت مدعوا مع صديقي محمد مزالي رئيس حكومة تونس المنفي المضطهد مثلي آنذاك رحمة الله عليه وجئنا من باريس منفانا إلى الدوحة فوجدنا لدى الشيخ حمد لغة ومنطقا لم نعهدهما من أي حاكم عربي لأنه حفظه الله سألني عن وضعي فقلت له أنني أعيش في منفاي ملاحقا من إنتربول بإرادة الطاغوت فتعاطف معي ومع أسرتي وأذن لجامعة قطر أن تنتدبني لتدريس الإعلام ولم يبال بغضب "السلطات التونسية" ضدي وطلبها الرسمي عن طريق سفيرها آنذاك برهان بن عاشور بطردي وحرماني من أكل عيشي بعرق جبيني رغم أنني لم أحرج دولة قطر بأي نشاط سياسي معلن وكان يساندني جمع من الأصدقاء القطريين بارك الله لهم وفيهم لكني شعرت بحماية الشيخ حمد وأمنت من ملاحقات إنتربول وأسهمت بقسطي المتواضع في خدمة وطني الثاني والمشاركة في منظمات مجتمعها المدني برعاية سمو الشيخة موزة حفظها الله. هذه كانت أيضا سابقة عربية لأن أية دولة تحميك من المظالم هي قطعا دولة أوروبية فلم تكن سوى قطر الملجأ العربي النادر أوت العديد من المثقفين العرب المستبعدين من أوطانهم فعاشوا بين أهليها مكرمين وكنت أعرف المئات منهم رحم الله من توفي منهم وأمد في أنفاس من لا يزال حيا ومعترفا بالجميل. أما السابقة التاريخية الأخرى فهي رهان الشيخ حمد على الإنسان القطري ذكرا كان أو أنثى فقد تحول المجتمع القطري إلى مجتمع معرفة وحضارة حين انتظمت سنة 1999 أول انتخابات بلدية شاركت فيها السيدات القطريات بالانتخاب والترشح وحين أنشأت مؤسسة قطر للتربية وتنمية المجتمع وضمت أكبر المؤسسات الجامعية العالمية ثم حين تأسست الجزيرة كقناة الحرية فغيرت لا فقط الإعلام العربي بل قلبت موازين الإعلام الخشبي المحنط ونشرت الحقيقة والرأي الحر وعانت الدكتاتوريات العربية من هذا الصوت المتحرر الجريء وقرأ زعماء العرب لهذا التغيير المبارك ألف حساب مما أنضج الربيع العربي قبل أوانه وخف الحمل على أكتاف أحرار الأمة ونقلت الجزيرة وجوههم وكلماتهم لشعوبهم. وأذكر للتاريخ جلسة جمعتني بسمو الشيخة موزة سنة 1995 في قصر الوجبة مع الزميلة الفاضلة أ.د. عايشة المناعي فقالت لنا الشيخة حفظها الله إننا نفكر في بعث قناة إخبارية عربية تكون (سي أن أن) العرب ولكن نخشى أن تحرج الدول العربية فقلت لها يا سمو الشيخة إنها ستكون كالطير الأبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فلا أحد يقدر على إسكات صوت حق وصدق. وبالفعل نجح هذا التحدي أيضا وكان سابقة تاريخية كذلك من الشيخ حمد. في هذه الأيام الحبلى بالخير أتوجه بالتهاني لكل مواطن قطري وأعتقد أن صاحب السمو الأمير الشاب الشيخ تميم سوف يواصل نهج المبادرات الحضارية الكبرى بنفس العزم والحزم ونفس الرؤية المستقبلية التي صنعت مجد هذه البلاد وآخر قولي اللهم اجعل هذا البلد أمنا مطمئنا. آمين