27 أكتوبر 2025
تسجيلفي اللغة معنى الخطيئة هو الإمعان في الخطأ أو ارتكاب أخطاء جديدة تجعل الرجوع عنها من قبل المخطئ مستحيلا، وتقطع طريق التوبة ثم ابتكار التبريرات الوهمية لتمرير الخطأ، وهذا تقريبا ما يحدث اليوم بعد سنة من ارتكاب الخطأ التاريخي في حق شعب شقيق مسالم كان أول المندهشين والمتفاجئين من عبثية الحصار، بل أول المصدومين من وقع الكارثة غير المتوقعة التي شتتت شمل العائلات الواحدة وهددت سلامة البناء الوحدوي المستقر بالانقسام والتراجع. هذه الممارسات هي التي حولت الخطأ السياسي إلى خطيئة حضارية وأخلاقية شاملة لم تعد تقبل التراجع حتى لو فترت عزيمة من ارتكبوها وتشتت شملهم واختلفت مطالبهم كما شهد العالم. صدقت نشرة استراتيجية أمريكية (ستراتيجيك ألرت) حين وصفت الدبلوماسيات المحاصرة لقطر بالغباء، لأنها لم تقرأ دروس فشلها بعد عام ولم تستخلص العبرة حين تصمد دولة قطر، بل تتقدم ثابتة الأركان خفاقة الراية نحو المزيد من المكاسب الاقتصادية و السياسية وتوطد علاقاتها بشركائها الأستراتيجيين وتؤكد للعالم أنها لا تفرط في سيادتها ولا تضحي بوحدة مجلس التعاون ودوره و تترفع عن السفاسف والمس بالرموز والانخراط في الجدل العقيم، بل بالعكس تضاعفت جهود الدولة والشعب في قطر في مكافحة العنف ومقاومة الإرهاب بل عرضت القيادة القطرية على الشركاء الخليجيين التوقيع على معاهدة أمنية تلتزم بها كل دول الخليج بلا نتيجة حرصت القيادة على حضور قمة المجلس في الكويت مع تأييد مطلق وصادق لجهود الوساطة الخيرة التي قام ويقوم بها صاحب السمو الأمير الكويتي مشكورا. ورغم مرارة ظلم ذوي القربى، تواصل العمل التربوي والثقافي من أجل إلحاق المجتمع القطري بفضاء المعرفة والريادة، وكانت قطر سباقة إلى نصرة حقوق الشعب الفلسطيني فعلا لا قولا، وبعكس أولئك الذين يقولون ما لا يفعلون، ظلت دولة قطر وفية لكل التزاماتها الوطنية والقومية تجاه أم المظالم العربية في القرن العشرين. وكانت الدبلوماسية القطرية دائمة التمسك بالقانون الدولي وقرارات منظمة الأمم المتحدة بشأن الحل الدولي المقترح على طرفي النزاع ، لكن بإدانة المعتدي إذا اعتدى والمحتل إذا توسع في بناء المستوطنات، ولم تنخرط الدوحة في المخططات المشبوهة التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني في أرض يعمرها ودولة يختارها ويؤسسها عاصمتها القدس الشرقية، كما تنص كل الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين، إما برعاية أمريكية أو بإشراف أممي أو بوفاق ضمني بين القوى الكبرى وباتفاق العرب جميعا، كما تنص بيانات قممهم العديدة. كشف الحساب بعد عام من الحصار الجائر يؤكد أنه بعد أن دارت عجلة الزمن اثني عشر شهرا من الحصار لم تتزعزع ثقة الدول الشقيقة والصديقة في أمانة الدولة القطرية ولا انتكست دواليب اقتصادها، بل سجلت تقدما في شتى مناحي الإنتاج والتوزيع ونطقت المؤشرات التقيليدية التي تقيم أداء الدول باستمرار النمو وتنوع مصادر الدخل وشعر المواطن والمقيم بما وعده به أميره، حين قال أبشروا بالعز والخير، لكن الخطيئة ستبقى جرحا نازفا في ذاكرة الأجيال القادمة يؤرخون بها لمرحلة انحراف سياسي وأخلاقي لبعض النخب الحاكمة وانجرافها إلى خدمة أجندات غريبة عن مصالح الأسرة الخليجية المتماسكة وعن قيمها العريقة الخالدة وعن مصالحها الحيوية المشتركة في زمن ظلت فيه القيادة القطرية داعية للحلول المعقولة المرتكزة على أمن الخليج والسلام الدولي وعلى مبادئ عدم التدخل في شؤون الدول وعدم فرض خيارات سياسية دخيلة على أي شعب من شعوبها. دار العام وحال الحول وقطر أقوى تلاحما بين قيادتها وشعبها وأرسخ قدما في اقتصادها وأوسع تجاوبا مع المجتمع الدولي وأشد تألقا بسمعتها العالية وأجلب للاحترام العالمي بمشاريعها التعليمية وآخرها توفير المدارس لعشرة ملايين من أطفال القارات الفقيرة، وهو ما اعتبره خبراء السياسات الغربيون أكبر ضربة توجهها قطر للإرهاب العالمي باجتثاث جذوره بإشاعة العلوم والمعارف وتنوير العقول بقيم السلام والتسامح. تلك هي النتائج السنوية لخطيئة حضارية كادت تهدد السلام الإقليمي، بل العالمي بمخاطر هزات عنيفة غير مأمونة العواقب كان من الأجدر بمن ارتكبوها في الإبان أن يتراجعوا عنها ويجنحوا للسلام الذي بُحَّ صوت قطر في الدعوة إليه دون استجابة. فلعل لا قدر الله لم تعم الأبصار لكن عميت القلوب التي في الصدور! ألأمل يبقى في عودة الوعي وثوب الرشد لأن المصير واحد في عالم لا يرحم المتفرقين ولا يغفر خطيئة المخطئين.