14 سبتمبر 2025

تسجيل

جوزيف وسيسي

28 مايو 2014

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); في أحد الشوارع، وكلها هادئ وادع، يشير صديقي إلى "سوبر ماركت" صغير قائلا: فوق هذا المحل يقيم محافظ "فيينا" في شقة بسيطة! يا إلهي، أتذكر أين يقيم السيد الوزير اللواء المستشار الدكتور المهندس المحافظ في بلادي، وأضيف إلى "فيينا" رصيد جديد في بندي الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. وحين نصل إلى قصر "شون برون" أكتشف أن للأمر جذورا حقيقية تضرب في أعماق التاريخ.الاسم معناه "النبع الجميل" وهو نبع موجود فعلا في حدائق القصر، الذي أصبح ـ بكل روادفه وملحقاته، مزارا سياحيا، لكن جزءا من مبانيه مازال يؤجر ـ بمقابل معقول ـ وتسكنه أسر عادية!ويقول مرشدنا السياحي، الأستاذ "حسن" الفلسطيني المضياف، والملم بكل ما له علاقة بالقصر وتاريخه، إن "شون برون" هو القصر الإمبراطوري السابق، بني منذ ثلاثة قرون، وعاشت فيه في القرن 18 الملكة "ماريا تيريز" التي كانت هي القيصر الحقيقي، أما زوجها "فرانسيس ستيفن" الذي توج إمبراطورا للإمبراطورية الرومانية المقدسة تحت اسم "فرانسيس الأول" فتفرغ لأبحاثه العلمية، خاصة في الفيزياء، وترك لها إدارة إمبراطورية تعرضت لحرب قاسية، انتهت في 1748م، واستمرت 8 أعوام، كانت "ماريا تيريز" خلالها هي القائد السياسي الفعلي للجيش، كما كانت تقود جيشا آخر مؤلفا من 16 طفلا، هم أبناؤها الذين أنجبتهم من "فرانسيس ستيفن"، وصاهرت بهم ملوك أوروبا لضمان الولاء والعون، ومنهم "ماري أنطوانيت"، التي أسقطتها الثورة الفرنسية وأعدمتها مع زوجها لويس السادس عشر.في "شون برون" تصل بنا الجولة إلى سرير لا يزيد عرضه على المتر، إنه الفراش الذي شهد احتضار ووفاة الإمبراطور "فرانز جوزيف" وكأنه أراد أن يقول للناس: هذا هو كل نصيبي، وما عدا ذلك لم أحصل على شيء!"فرانز جوزيف" الذي حكم 68 عاما، ومات وعمره 86 عاما في 1916م، كان يستيقظ في أولى ساعات النهار، ويجلس في مكتبه البسيط ليراجع الأوراق، ويلتقي أصحاب الحاجات والشكاوى من دون وسطاء إلى ما بعد الظهر. ثم يتناول غداءه مع أسرته (أو من تبقى منها بعد مقتل زوجته وابنه) ويعود ليلتقي رجال دولته ويمارس مهام الحكم حتى تغرب الشمس.كان هذا الإمبراطور ـ الحكيم والمجتهد ـ تعيسا في حبه لابنة خالته "إليزابيث" التي اشتهرت باسم "سيسي" وكانت مدلة بجمالها، خاصة شعرها الذي وصل وزنه إلى 8 كيلوجرامات، ولهذا رفضت أن تجلس أمام الرسامين بعد أن تجاوزت الثلاثين، ظنا منها أن جمالها آخذ في الذبول. وقد تزوجت "فرانز جوزيف" في 1853م وماتت في 1898 على يد منشق إيطالي في "جنيف"، التي كانت تكثر من التردد عليها، كما كانت تكثر السفر عموما فرارا من زوج لم تحبه أبدا! وفي النهاية لم يبق منها إلا "شبح" يماثلها، ويحمل شعرا مستعارا كأنه شعرها، يراه زوار "شون برون" في غرفة زينتها محاطا بأدوات تبرجها، ولوحتان كبيرتان على الحائط: إحداهما في شبابها الباكر، والأخرى قبل أن تفر من شبح الشيخوخة بالاختفاء عن أعين الرسامين. أما "فرانز جوزيف" فترك (مع الصور والآثار) عدلا وزهدا واجتهادا، مازالا يمثلان قيما أصيلة للبلد الذي أنهكه طول حكم الإمبراطور نفسه، وأسلمه لهزيمة قاسية في الحرب العالمية الأولى.