13 سبتمبر 2025

تسجيل

ربيع الجامعات الأمريكية المساند لغزة

28 أبريل 2024

يعد ربيع الجامعات الأمريكية وحراك طلبتها المبارك لمساندة غزة التي خذلها اربعمائة مليون عربي، باستثناء عدد قليل من الدول التي لها مواقف في مستوى الحد الأدنى من التضامن المعنوي، وليس بمستوى طموح تلك الشعوب؛ إذ لا يتجاوز عددها أربع دول في مقدمتها دولة قطر وسلطنة عمان، وتمثل تلك الاعتصامات والوقفات السلمية، اجمل لوحة يسطرها الطلبة والأكاديميون في الزمن العربي الرديء؛ فهذا التضامن الإنساني نحو تحقيق حلم الفلسطينيين باستعادة دولتهم التي تمتد من البحر إلى النهر، كل فلسطين اصبح اقرب للحقيقة من أي وقت مضى. فنحن نعيش اليوم زمن التدفق المعلوماتي من الجنوب إلى الشمال من خلال منصات التواصل الاجتماعي التي مكنت شباب غزة من التعريف بقضيتهم، لاقرانهم في هذا العالم المترامي الأطراف الذي تحول بفضل الثورة المعلوماتية إلى منزل صغير، فقد ذهب زمن احتكار وسيطرة الامبراطوريات الإعلامية الغربية وشبكاتها ووكالاتها المتحيزة للشمال بلا رجعة؛ والتي تعتمد على جيوش من المراسلين والإعلاميين منتشرين حول العالم وتمارس ما يعرف بحراس البوابات الإعلامية لكونها مملوكة في المجمل للوبيات مساندة للصهيونية ومعادية للعرب. فشمس الحقيقة قد تجلت بوضوح، فقد يستطيع البعض أن يمارس الدعاية والتضليل والاكاذيب على الناس بعض الوقت؛ ولكن من المستحيل أن تحجب الحقائق الدامغة عن الجماهير على الدوام. فالمزاعم الصهيونية التي تقول إن فلسطين «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض» والمقصود هنا جمع اليهود من الشتات وتوطينهم مقابل تهجير أصحاب الأرض الأصليين؛ قد أصبحت مكشوفة ولا يمكن تصديقها بعد اليوم؛ إلا من الضالين ومحاميّ الشيطان، وعلى الرغم من ذلك تم تسويق هذه الافتراءات بنجاح بل وتنفيذها من الدول الاستعمارية خاصة بريطانيا وأميركا وألمانيا والوكالة اليهودية منذ عدة عقود من الزمن، بل وحتى من زمرة من العملاء الذي ينتمون لهذه الأمة؛ من هنا توفرت الظروف لهذا الكيان الغاصب على أرض الرباط الذي يعد وقفا إسلاميا للأمة والذي فيه مسرى الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم ) والمسجد الاقصى؛ فترتب على ذلك الظلم، حصول النكبة في اواخر الاربعينيات، ثم نكسة حرب الأيام الستة وما ترتب على ذلك من إبادة وقتل وتهجير ونزوح قسري للفلسطينيين. وكما هو معروف بأن حبل الكذب لا يدوم، فقد أصبحت تلك الادعاءات على المحك، بل تحولت باعتبارها ضمن الأكاذيب التي تكشفها حقائق على أرض الواقع. وخلال الأسبوع الماضي اتضح للعالم دعاية عصابة نتينياهو وأكاذيبها الرخيصة على العالم في العديد من الحقائق التي تهم الرأي العام العالمي. فقد شكلت المظاهرات والاعتصامات في الجامعات الأمريكية تحديا غير مسبوق وفضيحة من العيار الثقيل بالنسبة للوبي الصهيوني في أميركا وكذلك لرئيس الحكومة الاسرائيلية والبيت الأبيض معا، ويمثل ربيع الجامعات الامريكية اجمل قصة نجاح للأمة الإسلامية ويعود هذا الإنجاز غير المتوقع للإعلام الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي، ولأول مرة في التاريخ الوصول للمجتمع الدولي واختراق عقول طلبة العلم الذين يمثلون قادة المستقبل في الولايات المتحدة الأمريكية؛ وإطلاعهم على المسكوت عنه من الجرائم بحق الإنسانية، فقد تمكن هؤلاء الاحرار الذين يمثلون الصفوة من التعرف على الوجه الحقيقي لإسرائيل وقتلها الممنهج لمجتمع اعزل والمتمثل في قتل عشرات الالاف من النساء والأطفال والشيوخ في فلسطين المحتلة. فكان حرم وساحات جامعات هارفارد وكولومبيا وييل ونيويورك ومساتشوستس وتكساس وجورج تاون في موعد مع الاعتصامات الطلابية والمظاهرات القوية والمنددة بالتطهير العرقي في فلسطين وتدعو إلى وقف الإبادة في غزة وكذلك قطع العلاقات والدعم المالي والعسكري الذي تقدمه الحكومة الامريكية وجامعاتها لهذا الكيان السرطاني المتمثل في إسرائيل. فقد كشفت استطلاعات الرأي بأن 70% من طلبة الجامعات الأمريكية قاطبة؛ يطالبون الآن وبدون تأخير، بوقف التعاون العسكري في مجالات البحوث والاختراعات المتعلقة بصناعة الأسلحة مع الجيش الصهيوني الذي يفتقد إلى الإنسانية ويمارس الإرهاب على الشعب الفلسطيني. من المؤسف حقا أن يرى العالم من أقصاه إلى أقصاه عبر شاشات التلفزيون والأجهزة الذكية الضرب المبرح والسحب على الأرض لطلبة في مقتبل العمر، وكذلك أساتذتهم في معظم تلك الجامعات، وذلك من كتائب مكافحة الإرهاب والشرطة الأمريكية؛ فقد تم اعتقال اكثر من خمسمائة طالب وطالبة؛ إذ كانت المشكلة هي كشف الحقيقة للناس؛ فهناك ضمير إنساني دفعهم إلى التضامن مع المظلومين والجياع والمهجرين في غزة، ويحصل ذلك في بلد يزعم بأنه قدوة للحكومات الديمقراطية في العالم الحر الذي ظهر على حقيقته أمام الملأ، بينما التهمة الجاهزة لمن قال كلمة حق عن الصهيونية وحلفائها من الساسة والمرتزقة الغربيين؛ هو معادة السامية هذه الاسطوانة المشروخة التي تستخدم في إرهاب الناس حول العالم منذ الحرب العالمية الثانية. يجب تذكير هؤلاء الذين ينظرون بعين واحدة للامور، بأن من يرتكب ضده الإبادة والمحرقة التي يقودها التطرف الصهيوني في غزة هذه الأيام هم أبرياء من الجرائم التي ارتكبت ضد اليهود عبر التاريخ، فالاوروبيون هم اكثر الشعوب الضالعين في المحرقة وكذلك القتل والطرد لليهود خلال القرون الماضية، بينما عاش اليهود بسلام واستقرار في أرجاء الدولة الإسلامية من بغداد إلى غرناطة، إذ كانوا أطباء ومستشارين وتجارا في كنف العرب والمسلمين إلى أن تم تحالفهم البغيض مع الاستعمار البريطاني، وذلك على خطى بلفور ووعده المشؤوم؛ لأنه أعطى ما لا يملك لمن لا يستحق. وفي الختام؛ ونحن نكتب هذه السطور تنتقل المظاهرات المساندة لفلسطين إلى معظم الجامعات الأمريكية مثل النار في الهشيم، بل بدأت الجامعات الأوروبية خاصة فرنسا تنتشر فيها الوقفات التضامنية مع غزة، لقد انطق الحق هذه النخب من طلبة العلم وأصحاب الفكر في العالم، وسط ذهول حكام إسرائيل المتطرفين، وكذلك الرئيس الأمريكي ورئيس مجلس النواب اللذين عبرا عن صدمتهما بما يحدث في أروقة بيوت العلم الأمريكية من حقائق كانت مغيبة عن الرأي العام الأمريكي منذ فترة طويلة.