11 سبتمبر 2025
تسجيلليس من عادتي أن أخالف لطبيب ينصحني أمرا، ولست ممن يقولون "الدكتور اتهمني بزائدة/ حصى في الكلى"، لأنني أعرف ان الدكتور لا يتبع للنيابة العامة او الشرطة، ويسعى لإثبات ضلوعي في جريمة او ارتكابي لها، إلا ان قيام ولدي لؤي بتشديد إجراءات الحجر الصحي علي في ظروف الكورونا الحالية، رغم انني التزمت بها منذ ان ثبت انها جائحة كاسحة، فصار يمنعني حتى من لمس أشياء يأتي بها من البقالة قبل ان يعقمها خارجيا، وكل ذلك بزعم أنني متقدم في العمر ولو أصابتني الكورونا فسأروح فيها؛ كل ذلك وخصوصا تذكيره المتكرر لي بأنه "راحت علي" يحز في نفسي واعتبره ظلما فادحا بحقي. والمسكين لا يدري أن بعض القراء يحسدني على شبابي الدائم، ولأنني ورغم مرور السنين ثابت في سن كذا وأربعين، ورغم هذا فهناك بعض الحاقدين من أبناء وبنات جيلي الذين يحرصون في كل مناسبة تتعلق ب "عيد ميلادي المجيد" ان يهنئونني بعبارات لا تخلو من التريقة، ومؤخرا حاول أحدهم رفع معنوياتي وقال لي ان الإنسان يصبح اكثر ثروة كلما صار عجوزا: شعرك يتحول الى فضة، وأسنانك تصير من ذهب، و"الكلاوي" تمتلئ بالأحجار (الكريمة؟)، ويصير عندك سكر في الدم، ويتراكم الرصاص في قدميك والحديد والكالسيوم في أوعيتك الدموية، وفوق هذا كله يكون لك احتياطي ضخم لا ينضب من الغاز الطبيعي فتصبح من كبار المصدرين إذا وجدت زبونا عبيطا. وإذا كان الأمر كذلك فإنني أرفض التقدم في السن، لأن امتلاك الثروات أعلاه دليل "فقر"، في مجال الصحة، وحسب معلوماتي التي استقيتها من مصادر شخصية فإنني لا أملك من الثروة سبائك رفيعة من الفضة على الرأس، وقد نتجت عن النبوغ المبكر، فقد حفظت معظم جدول الضرب قبل أن أكمل العشرين (قولوا ما شاء الله).. صحيح أنني نسيت معظمه، ولكن أيضا ليس بسبب عامل السن، ولكن بسبب الموبايل الذي صار بديلا للساعة ومفكرة الجيب والمنبه الذي يرن لإيقاظك، أي صار ذاكرة بديلة. من يعرفني جيدا، يعرف أنني لست متصابيا، بدليل ان الشعر الأبيض الذي يكسو رأسي "صبغة" (استغفر الله)، ولا أنكر عمري الحقيقي إذا تطلب الأمر "الإعلان" عنه، ولكنني وكما أردد مرارا،؛ لا أحب الشكوى من عامل السن وجعله شماعة للنقنقة والطنطنة، وقد كتبت مرارا عن عزوفي عن مجالسة بعض من هم في عمري او حتى أصغر مني ولكنهم لا يفتأون يذكرون أنفسهم بأنه "راحت عليهم". ظهري بالذات يذكرني بأنني ودعت الشباب، فقد صار كلما استيقظت في الصباح يصدر طقطقة كنت أحسبها في بادئ الأمر صادرة عن السرير المصنوع من الخشب الأصلي المغشوش، ولابد ان أمشي في هيئة علامة الاستفهام لنحو سبع خطوات حتى تتوقف الطقطقة والألم الذي يصاحبها؛ وهناك أمر آخر يسبب لي حرجا شديدا، ألا وهو إن ذاكرتي لم تعد قادرة على تخزين الأسماء، ربما لأنها "فُل"، ليس بمعنى "وردة"، ولكن بمعنى أنها صارت ممتلئة ولا تقبل الإضافات، ولكن الكارثة هي أنها صارت تمحو الأسماء القديمة التي ظلت مخزونة فيها منذ أيام الدراسة، مما جعلني أتضايق من تلك النوعية من الناس التي تلتقي بك بعد طول فراق وتقول لك: أكيد ما عرفتني (وهل أنت آينشتاين أو المتنبي أو شعبولا كي أعرف من تكون؟). ونساء بلدتنا بدين في شمال السودان النوبي على وجه الخصوص يعشقن إحراجي: أيقا إربرونا.. هل عرفتني؟ ولا أتردد في الرد: إربرامو.. لم أعرفك (وهل أنت باسكال مشعلاني أم ليلى علوي حتى احتفظ باسمك وملامحك في ذاكرتي أنا الذي غادرت بدين صبيا ولم أعد إليها، ثم غادرت السودان قبل قرابة 30 سنة؟).. في واقع الأمر أحس بالحرج معهن وأطيب خاطرهن بالتعلل بسنوات الفراق الطويلة، وما ان تذكر اسمها حتى "أنزِّل" شجرة عائلتها واسألها عن سكينة وخالتي مياسة وشقيقها دولي – وهو اسم نوبي صرف يعني "الكبير" وأحيانا يكون "دولا" بضم الدال - بما يجعلها تحس بأن نسيان اسمها "شدة وزالت" باختصار: التقدم في السن ليس عارا حتى نتنصل منه، ولا كون فلان شابا صغيرا يعني أنه لا يفهم ولا يحسن التصرف كما يعتقد بعض العواجيز الحاقدين. [email protected]