27 أكتوبر 2025
تسجيلفي السبعينيات من القرن العشرين وخاصة في عهد الملك الصالح فيصل بن عبدالعزيز رحمة الله عليه كنا كلما تذكر المملكة العربية السعودية اقترن ذكرها بجرأة عاهلها وشجاعة مواقفه العربية والإسلامية بدءا من فرض الحصار على الغرب المتحالف مع عدوان إسرائيل حيث قاد الملك الصالح حملة الكرامة والمروءة ضد عسف الاحتلال وكان وجه فيصل يرمز في وسائل الإعلام الغربية الى التحدي ولعل الشباب العربي لا يعرفون أن الملك فيصل خلال عام 1965 كان هو المؤسس لمنظمة المؤتمر الإسلامي إلى جانب بعض الزعماء التاريخيين للدول الإسلامية أمثال الحبيب بورقيبة التونسي والشيخ خليفة بن حمد القطري وأمير الكويت الشيخ صباح السالم الصباح وأغا محمد يحيى خان الباكستاني وأحمد سوكارنو الإندونيسي وجاء تأسيس المنظمة لجمع كلمة المسلمين والرد على جمود جامعة الدول العربية وانحرافها حيث كانت تحت تأثير قوي للرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي رفع شعار القومية العربية وقسم الدول العربية إلى ما سماه رجعية وتقدمية فحادت الجامعة عن ميثاقها وفرطت في رسالتها ثم جاءت هزيمة الخامس من يونيه حزيران 1967 لتدك صرحا وهميا من الخيالات وسوء التقدير والهرولة وراء سراب الشعارات الجوفاء فاستيقظ جيل عربي على نكبة القومية العربية وعلى ضياع 80% من فلسطين عوض التحرير المنتظر. كانت الدبلوماسية السعودية هي الرائدة المتحمسة لنصرة قضية العرب الأولى فلسطين حتى إن اغتيال الملك فيصل تم تقريبا بحضور ياسر عرفات الذي كان متواجدا بالقصر الملكي بالصدفة في زيارة للملك فيصل حسبما قيل في ذلك الزمن. وجاء عهد الأمير سعود الفيصل على رأس وزارة الخارجية فحافظ على التوازن الإقليمي والتضامن الخليجي ضمن مجلس التعاون ومهما كانت العثرات والصعوبات فإن الدول الست المجتمعة حول ميثاق المجلس ظلت حاضرة في المحافل الدولية وذات تأثير في أحداث الشرق الأوسط بانتهاج دبلوماسية موحدة لا شرخ فيها فما الذي دهى الدبلوماسية السعودية منذ وفاة المغفور له الأمير سعود الفيصل وبداية التصدع في المجتمع السعودي؟ قد يفسر بعض خبراء العلاقات الدولية هذا السقوط بالأوضاع العسيرة التي تمر بها منطقة الخليج جراء الحروب المستمرة منذ 2 أغسطس 1990 مع غزو صدام حسين للكويت وما تبع ذلك الخطأ التاريخي من زوابع وتوابع فتح الخليج على التدخلات العسكرية الأجنبية وقد يشرح بعض المراقبين ذلك الانحدار بهشاشة شخصية المسؤولين الحاليين عن السياسة الخارجية السعودية ولكن الثابت والأكيد هو أننا إزاء دبلوماسية مهزوزة فقدت بوصلتها القديمة التقليدية وفرطت في جملة المبادئ التي تأسست عليها وما نراه اليوم من تورط السعودية في مطبات عسكرية إقليمية وتوليها قيادة حصار جائر مضروب على شقيقتها قطر وموافقتها على انحرافات متكررة للسياسة الإماراتية إنما يشكل انهيارا ساطعا للقيم الأخلاقية التي تؤطر الدبلوماسية وتمنحها الشرعية والنجاعة في عالم يتقلب ويتغير ويعاد تشكيله من قبل قوى عظمى هي بدورها تعاني من انعدام الاستقرار. فكيف تبلغ تلك الدبلوماسية بشهادة القاصي قبل الداني هذا المنحدر حين نسمع الوزير عادل الجبير يتقمص دور المتحدث باسم الإدارة الأمريكية ويفاجئها بتصريحات منسوبة اليها فيحرج "أصدقاءه" الأمريكان وكيف تقوم الدبلوماسية السعودية بمناورات خفية في الكواليس بتكليف منابر اعلامية فاقدة المصداقية ومراكز بحثية مشبوهة معروضة للنخاسة بتلميع صورة السياسة "الحصارية" أي السياسة العرجاء التي تشترك فيها أربع دول لا يربط بينها رابط ولا ينسق بينها منسق والإساءة لدولة قطر بتلفيق الأكاذيب ونسج الأساطير؟ اليوم مرت على فرض الحصار الجائر سنة إلا شهرا ويشهد العالم بإعلامه النزيه ومؤسساته الرسمية ومراقبيه الأمناء أن دولة قطر تألقت في المحافل الدولية بما لا تملكه دول الحصار أي بدبلوماسية مبادئ وقيم وأخلاق وترفع عن المهاترات وسفاسف المناورات ويشهد العالم أن قطر طوت صفحة الحصار وتصدت لتحقيق مشاريعها الاقتصادية والتنموية وتأسيس منجزاتها الحيوية وتأمين الرفاه والعزة والخير لمواطنيها والمقيمين على أرضها الطيبة فلم تتاجر بقضية فلسطين العادلة كمن يتاجرون ولم تتنازل عن ثوابتها كما يتنازلون ولم تفرط في سيادتها كما يفرطون وظلت رايتها خفاقة.