18 سبتمبر 2025
تسجيلإن الحق سبحانه وتعالى أكرم نبيه محمد صلى الله عليه وسلم برحلة لم يسبق لبشر أن قام بها، فقد شاهد من آيات ربه ما لا يمكن لبشر أن يراه إلا عن طريق العون الإلهي، ووصل إلى مستوى يسمع فيه كلام الله تعالى الأزلي الأبدي الذي لا يشبه كلام البشر، فقد منحه الله في هذه الرحلة عطاء روحيا عظيما تثبيتا لفؤاده، ليتمكن من إتمام مسيرته في دعوة الناس إلى طريق الحق والهداية، فقد سار النبي محمد صلى الله عليه وسلم تحت الإشراف الإلهي المباشر حتى يكون أسوة وقدوة للمجتمع الإيماني، ولذا قال له ربه ما ودعك ربك وما قلى فهو الذي اصطفاه واختاره من بين الناس ليكون بشيرا ونذيرا بقدرة الخالق سبحانه وتعالى فزكاه ربه بقوله وإنك لعلى خلق عظيم ويعلمنا الله سبحانه وتعالى أن هديه صلى الله عليه وسلم إن هو إلا وحي يوحى، لذلك لم تفارقه العناية الإلهية لأن الخالق هو الذي يعصمه من الناس فقد جعل الله سبحانه وتعالى لنا في أيام دهرنا نفحات وأمرنا بالتعرض لها لعل أحدنا تصيبه نفحة فلا يشقى بعدها أبدا، فإن القدرة الإلهية التي خلقت هذا الكون الكبير لن تعجز عن حمل بشر إلى عالم السماء وإعادته إلى الأرض، في رحلة ربانية فإنها حقا معجزة لا يدري كيفيتها بشر، فالإسراء آية من آيات الله تعالى التي لا تعد ولا تحصى، وهو انتقال عجيب بالقياس إلى مألوف البشر ولهذا فقد أثار كفار قريش حوله جدلا طويلا، وتساؤلات كثيرة ولا يخفى على كل عاقل متدبر يتقي الله ويخافه بأن الله تعالى واضع نظام هذا الكون وقوانينه، وأن من وضع قوانين التنفس والجاذبية والحركة والانتقال والسرعة وغير ذلك، قادر على استبدالها بغيرها لتكون للعالمين آية وعبرة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا. فعندما يطلع الإنسان على عظمة الله سبحانه، ويدرك بديع صنعه وعظيم قدرته، يثق بنفسه ودينه ويطمئن إلى أنه بإيمانه يكون قد لجأ إلى ركن وثيق لا يختار له إلا الأصلح، ولا يريد له إلا الخير قادر على كل شيء ومحيط بكل الموجودات، فكان مسراه معجزة وآية من آيات الله الكبرى وكان بلاء وتمحيصا ليزداد المؤمن إيمانا، وأمر من الله بقدرته وسلطانه فيه عبرة لأولى الألباب وهدى ورحمة وثبات لمن آمن وصدق،فإن أهل قريش لم يتركوا فرصة للتشهير بالحبيب محمد صلى الله عليه وسلم إلا انتهزوها ولكن رسول الله أَبى إلا أن يصدع بالحق لأنه صاحب دعوة ومأمور بالتبليغ، وليس من طبيعة دعوة الحق أن ترضى بالحصار أو تستكين للتعتيم عليها، فالذي لقيه النبي عليه الصلاة والسلام من مختلف ألوان المحن لاسيما بالذات الذي رآه في الطائف إنما كان من جملة دعوته للناس، فكما أن النبي عليه الصلاة والسلام جاء ليبلغنا العقيدة الصحيحة عن الكون وخالقه، وعن الحياة وحقيقتها وعن الإنسان ورسالته وعن أحكام العبادات والمعاملات وعن مكارم الأخلاق، إنما جاء ليعلم الناس طريقا آخر من خلال السلوك العملي وهذه سنته العملية جاء ليبلغنا أن الله كلفهم بالصبر والمصابرة والبذل والمثابرة، فكما أن النبي عليه الصلاة والسلام علم الناس بأقواله كذلك علمهم بأفعاله، فقال بلسان حالها العملي اصبروا كما رأيتموني أصبر، فإن محنة الطائف وما بعدها محنة كأن الخط البياني لدعوته صلى الله عليه وسلم وصل إلى الحضيض، كذبوه وسخروا منه ونالوه بالأذى ولم ينثن النبي صلى الله عليه وسلم عن دعوته بل زاده الصبر تثبيتا ورحمة بالناس، فالمسلمون اليوم في أمس الحاجة إلى هذا الدرس البليغ، اصبروا كما رأيتموني أصبر لأن مكر الأعداء، أعداء المسلمين وصفه رب العالمين بانه تزول منه الجبال، أتصدقون أن قوى الأرض مجتمعة تستطيع أن تزيل جبلا صغيرا متواضعا، والذي يمكننا من إلغاء هذا المكر أن نلتزم منهج الله وشريعته، ألا ترون بأعينكم أن المسلمين هان أمر الله عليهم إلى درجة أنهم لا يبالون بحلال وحرام، ولا بواجب أو ممنوع، هان أمر الله عليهم فهانوا على الله.