04 أكتوبر 2025

تسجيل

الوجه الآخر للعملة

28 مارس 2021

الإنسان اجتماعي بطبعه، خلقه الله لعمارة الأرض، يؤثر في الآخرين ويتأثر بهم، ومهما اختلفت المجتمعات والحضارات إلا أن السمة المشتركة التي تجمع بين شعوبها هي التواصل والتفاعل والانسجام، ويعيش الإنسان يومياً في مواجهة مع الآخرين، ويحتك مع أفراد أسرته وأصدقائه وجيرانه، ولكن تختلف درجة هذا التواصل من فرد إلى آخر حسب عمره الزمني ونمط شخصيته وظروفه المحيطة. توجد فئة من الناس يمكن أن نسميها المنفتح إلى الخارج، يعني لا يستطيع أن يشحن طاقته إلا من خلال وجوده مع آخرين يتحدث إليهم ويمزح معهم ويخرج بصحبتهم خارج البيت ويصمم الرحلات وينشرح صدره بملاقاة الضيوف ويشعر بالسعادة في التعرف على أناس يراهم للتو فينشئ علاقة أخوة معهم، ويضيفهم إلى شبكة معارفه الكبيرة والممتدة، يتحدث كثيراً عن مواضيع مختلفة ويعطي تفصيلات حتى عن حياته الشخصية وأحياناً تجاربه الخاصة، يمكن أن تلحظ عليه النشاط الظاهر والطاقة الإيجابية المؤثرة في الآخرين لدرجة أنه يقترح حلولاً لمشكلاتهم، ويفقده أصحابه في غيابه ويصرون على أن يكون بينهم في لقاءاتهم، لأنه في الغالب هو مركز الجماعة. وتوجد فئة أخرى عكس الأولى؛ ويمكن أن نطلق عليها المنغلق إلى الداخل، فهو يسعد جداً ببقائه صامتاً، ويعشق المكوث لساعات منفرداً ويشحن طاقته الشخصية من خلال العزلة عن الآخرين، لا يفضل الانخراط في الأنشطة الاجتماعية سواء على مستوى الأسرة أو الأصدقاء أو العمل، ويجد صعوبة في المجاملات الاجتماعية الملحة، ليس لديه الدافع في معرفة أمور لا تخصه ولا يحاول التدخل بالأمور العامة أو الشخصية حتى وإن كانت لأقرب الناس إليه، هو بين أصدقائه محبوب لكن في الوقت ذاته لا يميل إلى الحديث عن نفسه أو الإضفاء على حديثه المقل بالتفصيلات أو المرح أو الإلهام. هذان النوعان من الناس هما فئة طبيعية ولا توجد أفضلية لأحدهما على الآخر، بل خلق الله الناس مختلفين، وهي نعمة لتحقيق التكامل في الحضارة وبقاء النوع الإنساني. ولكن إلى أي مدى يمكن أن يتحول كل منهما إلى شيء مقلق لدرجة يصعب التعامل معه؟، هل يمكن أن تكون تلك الصفات إعاقة لابد من معالجتها أو التعامل معها بشكل خاص؟، هل يمكن مواجهة النشاط الزائد بطرق تجعل مثل هذا الشخص أقل حدة، وبالتالي تهدأ حركته التي قد تسبب قلقاً لمن حوله وتحتاج إلى صدر واسع لتحمل كل تلك الطاقة غير المسبوقة؟. وفي الوجه الآخر للعملة تبرز بعض الأسئلة: هل يمكن أن نتعامل مع الأشخاص التوحديين بسهولة ويسر؟ أم لابد من تربية خاصة وتعامل مستقل طالما أنه بسماته تلك قد يعوق حركة نمو الأسرة بصورتها المعتادة، وقد يحد من أنشطتها الاجتماعية وزياراتها الدورية إلى الآخرين، وإلى أي مدى يمكن أن تكيف الأسرة جدولها الحياتي كي يتلاءم مع أحد أفرادها الذي يميل إلى العزلة والانطواء ويفضل البقاء داخل غرفة خافتة الإضاءة؟، كيف يتم التصرف مع طفل أو بالغ يصرخ بشدة لمجرد أنك تلمس كتفه مداعباً أو مرشداً أو حتى مساعداً؟. التوحد عنوان فرض نفسه على القضايا المختلفة التربوية منها والنفسية والصحية والبدنية وحقوق الإنسان، وبرز في السنوات الأخيرة علم التربية الخاصة الذي يحاول أن يشخص خلل التوحد ويحدد الأعراض الحالية أو المستحدثة ويعمل جاهداً أن يضع طرق التكيف معه كي لا يخسر المجتمع أحد أفراده، فعند إهمال الطفل التوحدي فهو لا ينمو نمواً متوقعاً من الناحية التعليمية أو الصحية أو الاجتماعية أو النفسية، ومن هنا: ظهرت أهمية هذا النوع من التربية وأهمية الأخصائيين الذين يعملون معهم في المراكز الحكومية والخاصة في الدولة، وظهر التقدير المميز لأولياء أمورهم أو أصحاب العمل الذين يعملون معهم. العالم كله في هذه الفترة يسلط الضوء على التوحد ويحتفل بأولياء أمورهم ويقدر الأخصائيين الذين يتعاملون معهم في المراكز العلمية المختلفة، وظهرت أندية ورابطات لأمهات الأطفال من ذوي طيف التوحد، كما توجد في موقع أمازون الإلكتروني مئات الكتب التي تشرح (Autism) من الألف إلى الياء، فضلاً عن ازدياد البرامج الإعلامية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي التي تتناول قضية التوحد كإحدى القضايا الحيوية التي تمس كافة المجتمعات. آخر المطاف: في قسم العلوم النفسية بجامعة قطر يوجد برنامج بكالوريوس التربية الخاصة، الذي يخرج أخصائيات يتعاملن مع الفئات الخاصة المختلفة، وقد فاق عددهن الإجمالي 200 طالبة وخريجة، أما فاطمة أحمد النجار فهي قطرية في زهرة العمر تغلبت على ألم التوحد بجدارة بفضل الله ودعم أبوي من سمو الأمير ومتابعة والدية جبارة واهتمام تعليمي من أخصائيات كفؤات، باقة ورد لفاطمة. همسة: قمة الأناقة هي أن تكون نظيف القلب لا تؤذي أحداً ولا تجرح أحداً، كن شيئاً جميلاً في حياة كل من تقابله.. دمتم بود. [email protected]