14 سبتمبر 2025
تسجيلنظم حزب الاتحاد الوطني الحر التونسي هذا الأسبوع ندوة دولية تحت عنوان: الإسلام والتنمية والديمقراطية بمشاركة عدد من المفكرين من بينهم البروفسور أحمد أقندوز من تركيا حول التجربة التركية الحديثة والأستاذ جورج إسحاق أحد مؤسسي حركة كفاية المصرية حول المجتمعات التعددية العربية ما بعد الربيع العربي والأستاذ محمد أوجار وزير حقوق الإنسان في الحكومة المغربية السابقة حول شروط نجاح منظومة حقوق الإنسان بين الدين والسياسة ود. محمد بن بريكة الجزائري مؤرخ الحركات الصوفية في العالم الإسلامي حول جوهر الفكر التصوفي ورسالته في المجتمعات المسلمة وفضيلة الأستاذ عبد الفتاح مورو أحد أبرز مؤسسي الحركة الإسلامية التونسية حول التوفيق بين القيم الأصيلة والحداثة. وحظيت هذه الندوة العلمية باهتمام عدد غفير من أساتذة الجامعات ورجال الإعلام والأدب والفكر والسياسيين لأنها طرحت محاور أساسية اختارها رئيس الحزب الأستاذ سليم الرياحي وأمينه العام الدكتور خالد شوكات لكونها تحاول تبيان عدم تضارب هذه المنظومات القيمية الأساسية وهي دين الأمة وطموحها المشروع للتنمية وتطلعاتها القوية للديمقراطية وصون الحريات. واتفق جميع المتدخلين على ألا تضاد بين الإسلام كعقيدة وكشريعة مع التنمية المستديمة والديمقراطية الأصيلة. واخترت أنا في مداخلاتي أن أشرح للشباب من منظوري المتواضع معنى ما أسميته الحداثة التأصيلية مقابل بضاعة مغشوشة هي الحداثة المستعارة. وقدمت للحاضرين مثل اليابان والعالم العربي حين بدأت النهضتان اليابانية والعربية تقريبا في نفس العشرية أواسط القرن التاسع عشر وقد كان اليابان يدشن نهضته على أيدي أسرة المايجي وكان العالم العربي يدشن نهضته على أيدي الحركة الإصلاحية لمحمد علي في مصر. وأشرت إلى أننا بعد قرن ونصف نتساءل اليوم: أين وصل اليابان وأين وصل العرب؟ والسر الأول في توفيق اليابان وفشل العرب هو أن اليابانيين غرفوا حداثتهم من معينهم الأصيل وأحسنوا توظيف تراثهم وأحيوا تقاليدهم وأثروا دينهم مع فتح أبوابهم في وجه الغرب المتطور دون التنازل عن ثوابتهم بينما نحن العرب اخترنا استعارة حداثتنا من الغرب ومن تقاليده ولغاته وأحيانا من أديانه معتقدين كما كان يقول الزعيم بورقيبة عن حسن نية بأننا سوف نلتحق بركب الحضارة...(الغربية) كأنما الحضارة الغربية سوف تنتظرنا جامدة تراوح مكانها حتى نلتحق (بسلامتنا) بها وهذا هو الخطأ الجوهري الذي جعل أغلب بلادنا مذيلة للغرب مستلبة الإرادة مستعيرة سلوكياتها وثقافاتها ولغتها وردود أفعالها من الغرب وبالطبع فهي عاجزة عن الإبداع بل وعاجزة عن تحقيق استقلالها الكامل حتى لو نالت استقلالها الإداري والعسكري. فتعطلت التنمية الحقيقية الخلاقة لتعوضها استكانة لراحة الاستهلاك وضاعت التربية المبدعة التواقة لتحل محلها نواميس التقليد واستنساخ تجارب الأمم الأخرى فأنتجت المجتمعات العربية أصنافا مشوهة من الأجيال العاجزة المندمجة في الغير من دون إرادة. ونسيت نخب العرب ما لدى العرب من مخزون حضاري غني ومتميز مثل مدرسة الطب الإسلامي التي شهدت عبقريات ابن سينا وابن الجزار وابن النفيس والرازي حين كان الطب الإسلامي هو الذي يجمع بين علاج الجسد والنفس ومثل مدرسة التربية الإسلامية لدى محمد بن الجزار القيرواني صاحب كتاب (سياسة الصبيان وتدبيرهم) ومثل مدرسة العلوم لدى الخوارزمي الذي حرف الغرب اسمه إلى (لوغاريتم) الذي أسس لتكنولوجيا الحواسيب بفضل علم الكسور ومثل مدارس المعمار العربي...إلى آخر قائمة الحضارة الإسلامية التي نقلت للغرب أصول علوم اليونان وفلسفاته وآدابه. وألححت في مداخلاتي على أن تكون تحولات الربيع العربي تحولات حضارية لا مجرد مطالبات سياسية أو اجتماعية حتى نعود كأمة رائدة إلى حركة التاريخ نصنعه ولا نتحمل دوراته العجيبة ونحن على هامشه نتفرج على إنجازات الأمم الأخرى مبهورين مندحرين مقموعين لا حول لنا ولا قوة. ذلك هو الفرق الشاسع بين حداثة تأصيلية وحداثة مستعارة.