14 سبتمبر 2025

تسجيل

الحرب: نعرف متى تبدأ ولا نعرف متى تنتهي!

28 فبراير 2022

هذه الحكمة الشهيرة معروفة ونسبها الناس إلى حكماء عديدين وهي التي لخصت ما سمي (فنون الحرب). طبعا كلنا عرف أن بداية حرب روسيا على أوكرانيا بدأت يوم السبت 24 فبراير2022، والسؤال هو متى تنتهي؟ وعرفنا كذلك أن لا الولايات المتحدة ولا أوروبا ولا الحلف الأطلسي سيحاربون مع الأوكرانيين بالسلاح ولكن بالعقوبات المسلطة على روسيا تدريجيا، ولكن من الضروري العودة للتاريخ. فمنذ قرن بالضبط عام 1922 تشكل ما يسمى الاتحاد السوفييتي الشيوعي على أنقاض الحرب العالمية الأولى وضم مع لينين نصف القارة الآسيوية وأصبح الدولة الأقوى المنافسة للغرب المنتصر في الحرب بقيادته الجديدة أي الأمريكية وتقاسم العملاقان قارة أوروبا فنشأت أوروبا الغربية بمواجهة أوروبا الشرقية. وانطلقت الحرب الباردة وما رافقها من سباق نحو التسلح النووي، ولم تندلع حرب ساخنة بسبب ما سمي "توازن القوى"؛ أي في الحقيقة "تعادل الرعب" إلى أن جاء لحكم الاتحاد السوفييتي زعيم واقعي هو (ميخائيل غورباتشيف) الذي أدرك أن لا مستقبل لمجموعة شعوب تجمعها الإيديولوجيا ويفرقها كل شيء فأعلن (البيريسترويكا أي الشفافية) وطبعا قام الشعب الألماني بهدم جدار برلين عام 1989 وانهار الاتحاد السوفييتي عام 1991 واستقلت عنه 15 جمهورية من بينها أو أهمها أوكرانيا التي تمتلك على أرضها ثلث القوة النووية الروسية وثلث الإنتاج الزراعي الروسي! وظل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعيش بهاجس إعادة (كييف) إلى أحضان موسكو باسم العظمة الروسية مع تصميم على إبعاد حلف شمال الأطلسي عن حدوده حتى لوكان ذلك يعني غزو أوكرانيا. وبالنسبة للعديد من الروس من جيله الذي نشأ على وقع القصائد التي تمجّد الاتحاد السوفييتي يبقى انهيار الاتحاد وانحسار مجال نفوذه في غضون ثلاث سنوات (1989-1991) جرحا نازفا؛ فزاد ذلك من اقتناع بوتين بأن نهاية الاتحاد السوفييتي كانت "أعظم كارثة جيوسياسية في القرن العشرين" على حد تعبيره حتى في خطابه الحربي يوم الجمعة الماضي، علما أن الاتحاد السوفييتي شارك في حربين عالميتين. وزاد في رغبته في الانتقام زحف حلف شمال الأطلسي "الناتو" والاتحاد الأوروبي -وإن تدريجياً- إلى دول كانت في السابق أقرب الحلفاء لموسكو، ويعتبر الرئيس الروسي أن له مهمة تاريخية تتمثّل في وقف هذا الغزو لمنطقة نفوذه. وباسم حماية الأمن الروسي أصبحت أوكرانيا خطاً أحمر، ويرى الباحث في مركز التكنولوجيا السياسية (ألكسي ماكاركين) أنّه بالنسبة إلى بوتين إذا لم تحلّ روسيا هذه القضية الأمنية فستكون أوكرانيا عضوا في الناتو في غضون 10 إلى 15 عاما وستصبح "صواريخ الناتو في موسكو". وفي دلالة على تصميم الكرملين هذا أقدم بوتين بعد ثورة مؤيدة للغرب في كييف عام 2014، على ضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية، بينما أشعل الانفصاليون الموالون لروسيا النار في شرق أوكرانيا الناطق بالروسية. ولم يتردد بوتين قبل بدء هجومه على أوكرانيا في الاعتراف بالمنطقتين الانفصاليتين في الشرق، لوغانسك ودونيتسك. وبحسب بوتين أخطأ جاره عندما قدّم نفسه على أنّه ضحية للإمبريالية القيصرية والسوفييتية ثم الروسية ويرى أن ثورتي 2005 و2014 اللتين أبعدتا النخب الموالية لروسيا كانتا نتيجة مؤامرات غربية أي انقلابات! ويشدد سيد الكرملين على أن موسكو يجب أن تكون قوية بل و"مرعبة" حسب تعبيره في آن واحد وليس الاستسلام من شيم صاحب الحزام الأسود في رياضة الجودو وهوالذي قال في 2015 "إذا كان القتال أمرا حتميا فعليك أن تضرب أولا". ووفقا لأحد أساتذته (فيرا غوريفيتش) فإن بوتين أكد عندما كان في سن الرابعة عشرة بعد خلاف كسر خلاله ساق رفيق له إنّ البعض "يفهم القوة فقط". وعانت أوكرانيا منذ "الثورة البرتقالية" في 2004 و2005 من "حروب الغاز" مع موسكو التي باتت تزعزع استقرارها اقتصاديا. في وقت مبكر من عام 2008 وفقا لوسائل الإعلام الروسية والأمريكية أخبر فلاديمير بوتين نظيره الأمريكي جورج بوش أن أوكرانيا "ليست حتى دولة". وفي ديسمبرمن نفس العام أعلن خلال مؤتمره الصحافي السنوي أن هذا البلد من اختراع لينين. قبل بضعة أشهر في مقال بعنوان "حول الوحدة التاريخية للروس والأوكرانيين"، وكرره في خطاب الجمعة الماضي تحدّث عن خيارات جاره بالقول إنّها عبارة عن مؤامرة "معادية لروسيا" من الولايات المتحدة وحلفائه. وقال إنّ الغرب كان يريد تأسيس "نظام سياسي أوكراني يتغير فيه الرؤساء وأعضاء البرلمان والوزراء ولا يتغير فيه المسار الانفصالي والعداء تجاه روسيا". وتشير مديرة مركز الأبحاث الروسي "آر بوليتيك" (تاتيانا ستانوفايا) إلى أنه وفقًا لمنطق بوتين، فإن الجنود الروس الذين دخلوا مناطق شمال وشرق أوكرانيا الخميس 24 فبراير يشنّون حرب تحرير أوكرانيا! ومن جهته قال المتحدث باسم الكرملين (دميتري بيسكوف) في ديسمبر إن "شعبا شقيقا لا يضيع وسيبقى شعبا شقيقا". ويرى النظام الروسي أن استعادة "المسار الطبيعي" للأمور في أوكرانيا وخارجها تعود له. وقالت موسكو مرارا إن الغرب "استغل ضعف روسيا في فترة ما بعد الاتحاد السوفييتي للتخييم في جوارها"، وإنّ بوتين لا يطلب أكثر أوأقل من إعادة حلف الأطلسي إلى خطوط عام 1997 والتخلي عن الهيكل الأمني الناتج عن الحرب الباردة [email protected]