13 سبتمبر 2025
تسجيلفي كتابه (العرب والسياسة: أين الخلل؟)، ربط الدكتور/ محمد جابر الأنصاري بين سقوط الأيديولوجية الماركسية في اليمن الجنوبي سابقا، وبين العقلية القبلية، أو كما يسميها "القوى المتأصلة في المجتمع" باعتبار أن الأخيرة نقيض الدولة في المجتمع العربي، وهو في أغلب أبحاثه، يرد كل مشكلات الأمة إلى القبلية، دون أن يشخّص جيدا، التطبيقات التي حصلت في الواقع العربي، من استيراد الأفكار والنظريات من خارج الأمة، فيرى د/ الأنصاري أن الايدولوجيا الماركسية "تجاهلت في تنظيراتها وأدبياتها هذا الواقع القبلي، وقفزت عليه نحو مقولات وتعميمات الصراع الطبقي، والتضامن ألأممي ونحوهما.. إلى أن انفجر الصراع القبلي ـ الطبقي ـ من قاعدة التنظيم الحاكم إلى قمته، وأفاقت عدن واليمن الجنوبي على حرب قبلية، لم تشهد لها نظيرا في أكثر عهودها "قبلية"، وذلك من خلال أحداث عدن الشهيرة في عام 1986، والتي انهار فيها النظام الماركسي في حقيقة الأمر، رغم بقاء أحد أجنحته في السلطة. في أول انهيار لنظام ماركسي في سلسلة الانهيارات العالمية".والحقيقة أنني أختلف مع هذا التحليل للدكتور الأنصاري عما جرى للنظام الماركسي في جنوب اليمن من صراعات داخلية سياسية داخل الحزب الحاكم وأجنحته المتصارعة، فبدلا من أن يقول محمد جابر الأنصاري، إن هذا الانهيار جاء بسبب الإيديولوجية الماركسية نفسها، واختلال تطبيقاتها واقعيا، خاصة أنه ذكر سلسلة الانهيارات التالية، ويقصد بذلك سقوط المعسكر الشيوعي في أوروبا الشرقية، وعلى قمتها الاتحاد السوفيتي، رمى بأسباب هذا الانهيار إلى القبيلة! ويعرف د/ الأنصاري أن القبيلة والعشيرة ليس لها وجود في أوروبا الشرقية، ومع ذلك انهارت النظم الماركسية بدولها وأحزابها بطريقة مذهلة حيرّت الأعداء قبل الأصدقاء، وحتى يدعم د/ الأنصاري فرضيته في لصق الإشكالية بالقبلية ذيولها التقليدية، فإنه استعار نصا من مطاع صفدي تبريري للماركسية فيقول في وصف درامية الحرب بالقبلية" إذا بالصراعات الإيديولوجية تنزاح في لمحة عين لتحل محلها كل بدائية الشعائر القبلية، فتنهار القواميس المار كسوية تحت ضربات التسلط ونزعات الثأر الجماعي والثأر المضاد، أي يبرز إلى الوجود ذلك النموذج التاريخي، وهو أورمة العصبية القرابية والدموية ليحكم ويحطم كل الانتماءات الإيديولوجية المستحدثة والملصقة على جبين الإنسان وجسده من الخارج فقط".ولا أدري كيف استساغ د/ الأنصاري لنفسه أن يضع حكماً قاطعاً هكذا على نظام طبق أيديولوجية فشلت تماماً في أغلب بقاع العالم، حتى مع توافر الشروط الموضوعية والاجتماعية والاقتصادية لها، في تلك البلاد. وبدلاً من أن يرجع هذا الفشل إلى تطبيق هذه الأيدلوجية الماركسية في دولة عربية، أرجعه إلى الأسباب القبلية وعصبياتها المختلفة! أين هي تلك القبلية من التطبيقات الماركسية في اليمن الجنوبي [ السابق ]؟ فالذي يتابع ما جرى في هذه الدولة الفتية بعد الاستقلال مباشرة، يرى أن التطبيق نفسه حمل أسباب فشله في السنوات الأولى للاستقلال. ذلك أن تجاهل الواقع، والدين، والمجتمع المحافظ، وسارت النخبة السياسية تنفذ حرفيات المنهج الماركسي بحذافيره، الاتحاد السوفيتي نفسه، لم يكن بتلك الصرامة في هذا التطبيق! فجاءت الأزمات المتلاحقة تحفر سلباً في هذا النموذج. كانت القبيلة إذا ما أردنا الدقة، مهمشة تماماً في هذه الدولة. بل تكاد تكون محرمة من الوجود الظاهري المؤثر، لأنها حوربت فعلياً من هذا النظام الماركسي واعتبرتها من القوى الرجعية المعادية للماركسية والتقدمية، لكن الصحيح الذي يجب أن يؤخذ في الاعتبار أن صراعات النخب على المناصب والنفوذ، وعلى كيفية الخروج من الانسداد السياسي والفشل التطبيقي أدى إلى الاقتتال المتتالي. ففي البداية حاول الرئيس سالم ربيع علي أن ينفتح على الدول المجاورة، وأن يقيم علاقات دولية خارج السياج السوفييتي فجاءت النهاية المفجعة لهذا الرئيس المعروف بخلقه وتعامله الطيب. بعد ذلك انحسر الصمود الحزبي الماركسي، وبدأت الانقسامات في داخل القاعدة، وعلى القمة. وبدأ يظهر على السطح الصراع الظاهر. من هنا بدأ اللجوء إلى القبيلة، وقد كانت نائمة! لكن الحزبية الماركسية ومنطق الصراع هي التي استدعتها، لتسند الولاء الحزبي المنقسم على نفسه، ولأن العقلية التآمرية التي أفرزتها عقدة التربص والحذر عند القيادات الحزبية، جعلت الانفجار في يناير 1986 مدمراً وقاسياً. الذي أنهى الوجود الأيدلوجي الماركسي في هذا البلد، كما قال د/ الأنصاري نفسه.إن القبيلة التي احتمت بها النخب الحزبية، بعد تفاقم الصراع واشتداده، وتزايد الانسداد السياسي، كانت نتيجة وليست سبباً حقيقياً في هذا الصراع وهذا الرأي ليس دفاعاً عن القبيلة ومنطقها، لكن يشهد على خفايا هذا الصراع والاقتتال المتكرر.وإذا صدقنا مثلاً أن العقلية القبلية والعشائرية هي التي أشعلت العنف في الجنوب اليمني آنذاك، أفرزت هذا الاقتتال، وأن الأيديولوجية الماركسية بريئة براءة الذئب من دم يوسف، وافترضنا جدلاً عدم وجود القبيلة في هذا البلد العربي العريق.. فهل يمكن أن تصمد الأيديولوجية الماركسية وينجح النظام؟ في الوقت الذي فشلت فيه الأنظمة الاشتراكية وتساقطت بشكل مريع! وللحديث بقية