17 سبتمبر 2025
تسجيلعند الحديث عن مكانة أوكرانيا بالنسبة لروسيا، يجب أن نشير إلى التاريخ الطويل الذي ربط البلدين على مدى قرون وجعل من العلاقات بينهما أولوية قصوى على الأقل بالنسبة لروسيا، التي تعتبر أوكرانيا خاصرتها الرخوة التي إذا انتقلت إلى الشاطئ الآخر من نهر العلاقات الدولية فستخسر موسكو كثيرا في كل المجالات، خاصة الجيوسياسية.ولعل ذلك يفسر كثيرا من الأحداث التي وقعت في أوكرانيا خلال السنوات العشر الأخيرة، التي شهدت ثورة على النظام الموالي لروسيا عام 2004، والتي سميت بالثورة البرتقالية، وأسقطت هذا النظام الذي سرعان ما عاد في انتخابات عام 2010 بعد فشل الثوار في حماية النظام الذي أنتجته الثورة، لكن سرعان ما عادت الثورة إلى الميدان مرة أخرى مع نهاية العام الماضي بتأييد ودعم أوروبي وأمريكي غير مسبوق لإسقاط الرئيس يانوكوفيتش الموالي لروسيا، مستغلة رفضه الانضمام إلى اتفاقية اقتصادية مع الاتحاد الأوروبي تكون مقدمة لانضمام كييف إليه ومفضلا اتفاقية اقتصادية مع روسيا التي تعهدت بمنحه 15 مليار دولار لمواجهة الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد.قام الثوار بدور، لكن الدور الأكبر كان للصراع بين روسيا من ناحية وأوروبا وأمريكا من ناحية أخرى، والتي حسمت هذه المرحلة من الصراع لصالحها بعد توجيه تهديدات مباشرة للجيش الأوكراني بعدم التدخل في الأزمة، الأمر الذي ترتب عليه عدم قدرة الشرطة على مواجهة الثوار الذين احتلوا القصر الرئاسي وأجبروا الرئيس على الفرار إلى شرق البلاد التي تنتمي عرقيا ودينيا إلى روسيا.بسقوط يانوكوفيتش، تكون روسيا قد خسرت هذه الجولة، لكن لا يعني هذا خسارتها الحرب كاملة، فهي لم تستخدم كل ما تملكه من أوراق قوة في مواجهة الغرب، ومنها ورقة القوة المسلحة التي استخدمتها من قبل في أزمة جورجيا عام 2008 حينما احتلت أجزاء كبيرة منها وكانت على بعد 30 كيلو مترا من العاصمة. وهي هنا لم تستخدم القوة برغم أهمية أوكرانيا الشديدة، لأنها تعلم أن الحرب لم تنته بعد، وأن هناك جولات قادمة، فضلا عن أن استخدام القوة في هذه الجولة قد يؤدي إلى تقسيم البلاد فعليا بين شرق موالي لها وغرب موالي لأوروبا وأمريكا، كما كان الحال في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، لذلك من المتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة محاولة من روسيا لاستخدام أوراق قوة بعيدة عن العنف المسلح، وتميل أكثر إلى المجالات السياسية والاقتصادية. وإذا ما أردنا تحديد أبرز الخسائر الروسية في أوكرانيا إذا ما فقدتها، يمكن أن نشير إلى الجانب الأهم وهو الجيوسياسي المتمثل في أن التحاق أوكرانيا بأوروبا سيعني التزامها بعدد من المواثيق المشتركة التي من بينها اتخاذ سياسات دولية وإقليمية تعارض مصالح موسكو، إضافة إلى أن الخطوة سيليها الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، ما يعني إحكام تطويق روسيا عسكرياً، ونشر الصواريخ الغربية على الحدود الروسية مباشرة.واقتصاديا، هناك الارتباط الاقتصادي بين البلدين منذ زمن الاتحاد السوفيتي، حيث تميز النموذج السوفيتي بأنه أقام إمبراطوريات صناعية ضخمة توزعت على أقاليمه التي أصبحت دولا مستقلة فيما بعد. وأبرزها بطبيعة الحال كانت أوكرانيا التي ورثت مجمعات صناعية خاصة في المجال العسكري والذي تحتاج إليه الصناعات الروسية، مثلما هو الحال بالنسبة لتقنيات صناعة المحطات الكهروذرية التي تقدمها المجمعات الأوكرانية.يضاف إلى ذلك أن أوكرانيا تعد السوق الأكبر للمنتجات الروسية التي ستخسر كثيرا إذا ما ذهبت كييف إلى الأحضان الأوروبية ومنتجاتها المنافسة لنظيرتها الروسية.