17 سبتمبر 2025

تسجيل

قنابل موقوتة في واحة سيوة

28 فبراير 2013

أعتقد أنه لا بد أن يكون لنا هدف أو مجموعة أهداف حين ننطلق – متحمسين ومتشوقين - للتعرف على ما نجهله تماما، أو حتى حين ننطلق إلى ما لا نعرف عنه سوى أقل القليل. هذا هو حال الذين يغوصون في أعماق البحار والمحيطات، وحال الذين يخترقون الغلاف الجوي لأمنا الأرض لكي يهبطوا فوق سطح القمر أو المريخ، وهو كذلك حال الذين ينطلقون إلى أماكن مجهولة فوق سطح الأرض أو تحت هذا السطح، فالهدف الواحد والموحد لدى هؤلاء جميعا يتمثل في اكتشاف ما هو غامض ومجهول، بقصد كشف المخبوء من تفاصيله وأسراره، سواء أكان هذا الغامض المجهول في الأعماق أو في أبعد الآفاق أو فوق الأرض أو تحتها! ومن هذا المنطلق، ودون أن نخجل أو نخاف، لابد من الاعتراف، بأن أبناء مصر مقصرون تماما في حق واحة من أجمل الواحات المصرية والعربية على حد سواء، هذه الواحة هي سيوة التي زرتها وعايشت أهلها الفقراء والكرماء على امتداد أيام وليال معدودة، وقد أحسست أن هؤلاء الفقراء الكرماء يتسلحون بالكبرياء، لأنهم مع واقعهم متصالحون، وبحياتهم قانعون، ورغم بؤس هذا الواقع وصعوبة تلك الحياة، فإنهم بالضيوف يحتفون، لكن زيارتي لواحة سيوة لم تكن من أجل السياحة بطبيعة الحال، فقد كان لي هدف واحد ومحدد يتمثل في التعرف على ما يجري هناك من أمور تبدو مقلقة وغير مطمئنة حين نسمع عنها ونحن بعيدون، وكان لا بد لي أن أنطلق إلى تلك الواحة، لكي أزيح عن نفسي ما تكدس فيها من قلق ومن عدم اطمئنان. تبعد واحة سيوة عن القاهرة بنحو ثمانمائة وخمسين كيلو متر، أما الطريق إليها فإنه ليس سهلا، وهي أقرب الواحات المصرية إلى ليبيا، ويقوم أهلها بزراعة النخيل والزيتون، وكنت أعرف – مقدما- أن لهم لغة خاصة يتكلمون بها دون سواهم من المصريين، وهذا ما تأكدت منه بشكل مباشر حين التقيت مع كثيرين منهم بصحبة الصديق الدكتور شوقي حبيب الذي يعرفه أهل سيوة معرفة وثيقة كأنه واحد منهم، وذلك بحكم زياراته السابقة العديدة لواحتهم، واهتمامه بمشاركتهم في المناسبات والأعياد المحلية، وهي مناسبات وأعياد يشاركهم فيها سياح أجانب كثيرون ممن يتوافدون خصيصا إلى سيوة، تزامنا معها، لكن الكوميديا السوداء هي أن أبناء مصر الآخرين لا يعرفون شيئا عنها! أهل سيوة فقراء وكرماء، وقاموا بكل واجبات الضيافة على خير وجه، لكني كنت ألاحظ أنهم يتكلمون لغتهم الخاصة في بعض الأحيان خلال سهراتي معهم، إذا أرادوا أن يتحدثوا فيما بينهم عما لا يريدون لي أن أسمعه وأعرفه، وهم يسمون تلك اللغة الخاصة اللغة السيوية، لكني كنت أعرف مقدما أنها هي نفسها اللغة الأمازيغية التي يتكلمها كثيرون ممن سماهم العلامة ابن خلدون البربر- أي الأمازيغ، وهم سكان منطقة شمال إفريقيا قبل دخول الإسلام الذي أصبحوا جميعا يدينون به بعد انتشاره بينهم، وهكذا ينقسم سكان دول موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس وليبيا إلى مجموعتين بشريتين كبيرتين، المجموعة الأولى هم العرب أو من ينتمون إلى أصول عربية، والمجموعة الثانية هم البربر أو الأمازيغ الذين كانوا يعيشون في ترابط وانسجام مع أبناء المجموعة الأولى – العربية، لكن بعض هؤلاء أرادوا أن تكون لغتهم الخاصة الأمازيغية لغة رسمية ومعترفا بها إلى جانب اللغة العربية، وقد ساندتهم فرنسا في هذا الاتجاه، وهي التي كانت تحتل معظم تلك الدول العربية، وما تزال هناك مشكلات وحساسيات وحزازات، تبدو كامنة ومخبوءة في الصدور أحيانا، وقد تتفجو في أحيان أخرى، لكنها كلها تشكل ما أسميه بالقنابل الموقوتة التي ينفجر بعضها بين حين وآخر، ويبقى سؤال يتطلب إجابة كافية ووافية: هل هناك قنابل موقوتة مشابهة في واحة سيوة المصرية؟ هذا هو السؤال، أما الإجابة فإنها مؤجلة إلى الخميس القادم هنا في الشرق، فإلى لقاء.