11 سبتمبر 2025
تسجيللست خائفا على ثورة 25 يناير من وجود الرئيس المصري السابق حسني مبارك في شرم الشيخ فالرجل بات يسكن خانة الماضي ومن ثَمَّ فإنه لن يكون بمقدوره أبداً الخروج منها والقفز إلى الحاضر لأنه ببساطة لم يعد يمتلك الأدوات التي تساعده على القفز فضلا عن أن الثوار ما زلوا قابضين على ناصية ميدان التحرير بكل ما يعنيه من دلالة رمزية تتجاوز موقعه في عاصمة المحروسة – القاهرة – إلى باقي أقاليمها لكن أخشى ما أخشاه من نفر ما زالوا يمسكون ببعض المفاصل المهمة في السلطة السياسية والتنفيذية سواء في المركز أو في الأطراف وأظن – وليس كل الظن إثم – أن هؤلاء النفر هم من يحركون بعضا من التوترات والتحركات التي تسعى إلى إبقاء ملامح النظام القديم وتوجهاته إلى أطول فترة زمنية ممكنة حتى لا تقترب منهم أيدي المحاسبة وتزيحهم من مناصبهم التي توفر لهم بشكل أو بآخر قدرا من الحماية . وهؤلاء النفر موجودون في الحكومة وفي الأجهزة الأمنية وفي وسائط الإعلام بمستوياتها المختلفة بالرغم مما يبدو من تحولات أدخلوها على أدائهم وسلوكهم وخطابهم ولكنهم في حقيقة الأمر ما زلوا يدينون بالولاء للنظام السابق وتوجهاته بل إن وزيرا من هؤلاء ما زال يعقد اجتماعاته في قاعة تتصدرها صورة مبارك ووزير آخر كان يمنع الجهات الرقابية بوزارته من القيام بمهامها في محاسبة شخصيات في الحكم متهمة بارتكاب مخالفات مالية ووقائع فساد واستغلال نفوذ ما زال قابضا على هذه الوزارة دون أن يعلم أحد لغز الاحتفاظ به. ومازالت القواعد التي كانت تحكم اللعبة السياسية في المحروسة سائدة وهو ما يسفر عن بطء إيقاع التغيير الذي من المفترض أن ينسجم مع الحالة التي أفرزتها ثورة الخامس والعشرين من يناير مما دفع قطاعات عريضة من المشاركين فيها إلى تبني خيار العودة مرة أخرى إلى ميدان التحرير للمطالبة بتسريع وتيرة هذا الإيقاع وهو ما تجلى في مظاهرة الجمعة الماضية والتي عبرت عن مساحة من الغضب ما زالت تقيم في قلوب وعقول شباب المحروسة جسدها ائتلاف شباب الثورة في أربع مطالب رئيسة تتمثل في إقالة حكومة الدكتور أحمد شفيق رئيس الوزراء وتشكيل حكومة انتقالية من التكنوقراط الوطنيين المستقلين والتخلص من بقايا النظام السابق في الحكومة والإفراج عن المعتقلين السياسيين ومسجوني المحاكم الاستثنائية قبل وبعد 25 يناير وحل جهاز مباحث أمن الدولة وتشكيل لجان قضائية مستقلة مطلقة الصلاحيات للإسراع في محاسبة المتورطين في قتل الثوار وتعذيبهم والمتسببين في الفساد الذي تفشى في الحقبة السابقة. وحذر الائتلاف من أن استمرار التباطؤ في تنفيذ المطالب السياسية المشروعة لجموع الشعب المصري قد يؤدي إلى المزيد من الاحتقان وعدم استقرار الأوضاع. وتصاعد غضب الثوار إلى حد المطالبة بمحاكمة الرئيس السابق حسني مبارك وأفراد أسرته وعدد من رموز نظامه الذين ما زالوا خارج نطاق المحاسبة والتحقيقات التي بدأتها الجهات الرقابية والقضائية والتي لم تطلهم حتى الآن وفي مقدمتهم صفوت الشريف وفتحي سرور وزكريا عزمي وغيرهم من رموز شكلت عناصر الإسناد الرئيسة لبقاء النظام السابق لفترة اقتربت من الثلاثين عاما. وفي يقين الكثير من النخب السياسية في المحروسة فإن عملية التعديل التي طالت بضع مواد في دستور 1971 والتي قامت بها لجنة برئاسة المستشار طارق البشري تعد نوعا من الترقيع في هذا الدستور سيئ السمعة بعد الصياغات التي أدخلت عليه من قبل عناصر كانت شديدة القرب من الرئيس الراحل أنور السادات شوهت الوثيقة الأصلية التي أعدها نفر من رجال الفقه والقانون الدستوري لمصلحة التحولات التي كان يسعى السادات إلى فرضها على الواقع المصري وشكلت في عصر مبارك المدخل لتقزيم الدولة المصرية إقليميا ودوليا وخفضت من منسوب ارتباطها بالقدرات الإنتاجية لصالح حفنة من المستوردين والمحتكرين الذين تصاعدت سطوتهم مع بروز نجل الرئيس السابق جمال مبارك إلى المشهد الحزبي والسياسي في مصر على نحو كان يهدف إلى دفعه إلى الموقع الأول في هذا المشهد خلفا لوالده ضمن ما كان يطلق عليه بالتوريث والذي كانت كل الدلائل والشواهد تقود إليه رغم نفي كل من مبارك الأب ومبارك الابن له في الخطاب الرسمي. وثمة من ينظر إلى التعديلات التي أدخلت على الدستور رغم أهميتها خاصة فيما يتعلق بتقليص فترة الرئاسة من ست إلى أربع سنوات وقصرها على مدتين فقط إلى جانب التخلص من الشروط المجحفة للترشح لمنصب رئيس الجمهورية وإقرار الرقابة القضائية على العملية الانتخابية بكل مراحلها بحسبانها تشكل التفافا على قاعدة سياسية مؤداها أن الدستور في حد ذاته سقط مع سقوط الرئيس الراحل وتسلم المجلس الأعلى للقوات المسلحة السلطة وهو ما يعني غياب الشرعية الدستورية وانبثاق الشرعية الثورية الأمر الذي يقتضي الإعلان عن جمعية تأسيسية تضم مختلف ألوان الطيف السياسي لصياغة دستور جديد يتواكب مع متطلبات المرحلة الجديدة التي أفرزتها ثورة الخامس والعشرين من يناير بدلا من الإبقاء على دستور زاخر بالثغرات والمفاسد والمواد التي بوسعها إعادة إنتاج ملامح زمن مبارك الذي يعد من أسوأ فترات الحكم في تاريخ المحروسة بفعل تراكم خطاياه وتجاهله للأغلبية وانحيازه لطبقة رجال الأعمال وفتح أبواب الفساد على مصراعيها إلى الحد الذي دفع أحد قادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى التصريح بأنهم لم يتخيلوا حجم الفساد على النحو الذي كشفت عنه الوثائق وفي مختلف مناطق السلطة والتي كانت مطلقة بالفعل فجاءت مفاسدها مطلقة هي الأخرى. [email protected]