10 سبتمبر 2025
تسجيلأصدرت وزارة الخارجية الروسية يوم الخميس الماضي بيانا طالبت فيه قطر بالإفراج الفوري عن ثلاثة مواطنين روس، تم اعتقالهم وتقديمهم للنيابة العامة بتهمة ارتكاب جريمة اغتيال الرئيس الشيشاني السابق سليم ياندرباييف. ووجه البيان الاتهامات لقطر بدءاً من استخدام القوة المفرطة أثناء عملية الاعتقال وانتهاء بتواطئها مع الإرهاب الدولي!!! واسترسل البيان في تبرير وجود أجهزة الاستخبارات الروسية على الأراضي القطرية بأنها في إطار مكافحة الإرهاب ! وقامت يوم امس بتصعيد لهجتها تجاه قطر محملة إياها المسؤولية عن تطور الاحداث !! عندما سمعنا عن خبر اغتيال "ياندرباييف"، وقبل انقشاع دخان التفجير المشؤوم، كنا في الشرق على قناعة بأن أيادي روسية تقف خلف الحادث. لم نكن الوحيدين على هذا الاقتناع، فالكثير من التحليلات والتعليقات السياسية حول العالم، والتي أعقبت الحادث، جاءت وهي توجه أصابع الاتهام إلى روسيا، لأسباب أصبح يعرفها القاصي والداني. ولم توجه السلطات القطرية الاتهام وتحيل المتهمين للنيابة العامة إلاّ لأنها أصبحت الآن تملك أدلة قوية تدين المتهمين والجهة المنفذة للحادث. وستأخذ العدالة مجراها - إن شاء الله - خلال الأيام المقبلة. ولنا ما بين الحادث والبيان الروسي وتصعيد اللهجة وقفات: - أولاً: اغتيال "ياندرباييف" كان إرهابا بكل ما تعنيه الكلمة. فالمجرمون لم يتورعوا في قتله بزرع قنبلة في سيارته، كانت لو انفجرت في مواقف السيارات قرب الجامع الذي يصلي فيه لأدت إلى قتل العشرات. وجاء البيان الروسي ليقدم التبريرات لوجود أفراد الاستخبارات الروسية على الاراضي القطرية، بأنه في إطار جهودها لمكافحة الإرهاب! وربط ذلك بوجود الرئيس "ياندرباييف" في قطر، وسبق مطالبتها به بتهمة الإرهاب!! وجاء البيان الروسي أخيراً وكأنه يؤكد الدوافع والمصالح الروسية لهذا الاغتيال. لا نعرف كيف ستبرر وزارة الخارجية الروسية مكافحتها للإرهاب في حين ان استخباراتها تقوم بالارهاب عينه! وما هي مبرراتها في إدخال عناصر استخباراتها للمتفجرات لتدنس واحة الأمن، وتروّع المواطنين في قطر، وكأننا جبهة وساحة للحرب على الارهابيين!! ولا ندري اذا كان هذا النوع من الأعمال يندرج تحت "الأعراف الدولية" التي تبجح بها البيان المذكور!. لقد سمحت قطر لياندرباييف وأسرته بالاقامة المؤقتة على أراضيها ولم تكن له أي أنشطة سياسية أو غيرها، سوى ما يتعلق بنشاطه كمبعوث لدى دول العالم الاسلامي، ولو كان للمطالبات الروسية به أي أساس قانوني أو أخلاقي لبادرت قطر إلى إخراجه من أراضيها. ولكن - أغلب الظن - أن المطالبات كانت تفتقر الى أبسط أدلة الإثبات. وقد صورها البعض على أنها محاولات لتصدير المشاكل الداخلية للخارج. أما الإيحاء بأن قطر تدعم الإرهاب وتؤويه، فهذه سخافة لا تحتاج الى رد. - ثانياً: كان لجهود وزارة الداخلية بأجهزتها ورجالها الفضل - بعد الله - في تتبع أطراف وخيوط هذه العملية الشائنة واكتشاف الجناة وتقديمهم للعدالة. وقد أثبتت سرعة الوصول الى الجناة أن أجهزة الأمن القطرية لن تكون أبداً "طوفة هبيطة" لمن يفكر بالعبث بأمن البلد وأمانه، حتى لو كانت أجهزة استخبارات دولة كبرى، فلدينا - ولله الحمد - من القدرة والكفاءة والامكانيات والثقة لأن تستمر قطر واحة آمنة، تحرسها عين الله ثم رجال وهبوا أنفسهم لفداء هذا الوطن. - ثالثاً: والآن وقد أصبحت القضية ضمن ملفات النيابة العامة تمهيدا ليأخذ العدل والقانون مجراه، نتمنى أن يطالب المدعي العام بأقصى عقوبة ممكنة للمجرمين، وأن يجعل نصب عينيه أن القضية وحادثة التفجير هي الأولى من نوعها في قطر، وأن الجناة ما كانوا ليتورعوا عن تفجير هدفهم ومن حوله، وأن الرأفة هنا لا محل لها، والمطلوب أن نجعل من هذه القضية والأحكام الصادرة عنها رسالة واضحة لمن تسول له نفسه انتهاك حرمة هذا البلد وأمانه. - رابعاً: في عالمنا اليوم، تتحكم الروابط السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية في تشكيل الكثير من العلاقات بين الدول سواء إقليميا أو دوليا، ويتطلب الأمر في بعض الأحيان مرونة سياسية ودبلوماسية لتجاوز أي اشكالات أو أزمات تشوب العلاقة بين دولة وأخرى، وعلى الرغم من العلاقات المتميزة التي تربط قطر بأغلب دول العالم التي نسعى دائما إلى تطويرها واستثمارها لتعود بالنفع على شعوبنا. إلا أننا يجب أن تكون لنا وقفة صارمة تجاه من يحاولون استغلال أمن البلاد وطيبة أهلها، وألا يكون الأمن والأمان في قطر محل مساومة مع الغير، والمثل يقول: "الوتد من أول ركزة"، وإذا كانت هناك مساومة هذه المرة فستكون هناك أخرى و"ستكر السبحة"، وستكون ارضنا مرتعاً "لمن هب ودب". وكما ستكون للعدالة وقفتها في هذه القضية، نتمنى أن نرى وقفة سياسية لا تلين، فقد أثبتت قطر بوقفتها مع الحق أنها عود لا ينكسر، وخير مثال على ذلك الوقفة تجاه الضغوط السياسية الكثيرة التي مورست عليها للجم قناة "الجزيرة" تلك الوقفة التي أكسبتها احترام وتقدير الكثير من دول العالم. سيكون نهجنا دائماً ان مَنْ يمد يده البيضاء لنا مصافحاً فسيجد في مقابلها عشراً من الأيادي البيضاء تمتد له، ومن يحاول استغلال قطر وأهلها لمآرب أخرى فعليه ان يفكر ثانية وثالثة.