16 سبتمبر 2025

تسجيل

الأنظمة الاستبدادية وسياسة تكميم الأفواه

28 يناير 2019

هل من الممكن أن يعيش الإنسان كجلمود صخرة لكي ينعم بالسلام؟ وهل خلق الإنسان ووهب العقل ليُعتقل أم ليفكر ويعبر؟ فالواقع الذي نعيشه اليوم يتطلب من الإنسان أن يعيش وكأنه لا يسمع ولا يرى ولا يتكلم، وذلك بسبب الوضع في وطننا العربي وحالات الصراع، وازدادت المشكلات والانقلابات والفساد في كل مكان ولم يعد أحد يهتم بالإنسان نفسه وحقوقه! تحوّلت أولويات صنّاع القرار إلى المال والجاه والمنصب، ووضعت الإنسانية على الجانب الذي لا ينظر أحد إليه بتاتاً. كما أن الحكومات أصبحت استبدادية بشكل مثير للغضب، وتستخدم القوة من أجل منع أي شخص عن التعبير خصوصاً إذا كان رأيه معارضاً لسياسة الدولة أو بالأصح للرئيس، فهذا ما هو إلا دليل قاطع على الإفلاس الروحي والأخلاقي والفكري للحكومات الاستبدادية. على الرغم من أن حرية الرأي إرث إنساني كلف الإنسان عدة قرون من الثبات والثورات من أجل التعبير وكان الهدف إصلاحيا، إلا أن ذلك لم يدم طويلاً، بل كانت هناك محاولات للسيطرة عليهم، وما زالت! فهذا العالم وبالأخص الوطن العربي، يستخدم سياسة تكميم الأفواه وقمع حرية التعبير، والمخيف هنا أن صنّاع القرار يعتقدون بأن هذا هو الطريق الأمثل لمنع الانقلابات الداخلية مثلما حدث في الكثير من الدول العربية -والتي لُقبت بثورات الربيع العربي- وكما أيضاً سيحدث في المستقبل القريب، وقد كان هذا نتيجة للسياسة السائدة في دولنا العربية. فوضعنا في الدول العربية مُخيف جداً، إلا أننا قد وصلنا إلى زمنٍ يُفترض بأنه وقت لحرية التعبير وطرح الآراء لبناء مجتمع إيجابي يسعى للتطور على جميع الأصعدة، وهذا ما مكّن شعوبنا من رفض فكرة قمع حرياتهم وتكميم أفواههم. فقد تُعد حرية التعبير هي الحق السياسي لإيصال ما يوّد الشخص قوله، إلا أن ذلك لم يعد حقاً، بل أصبح يشكل خطراً على حياة هؤلاء الأشخاص الذين يقومون بالتعبير عن آرائهم، وذلك للحد من عدد المعارضين كي لا يثيرون على الحكم أو على النظام. فسيبقى الوضع في دولنا العربية كما هو الآن ولن يتغير شيء حتى تتغير السياسات والأنظمة وطرق التفكير لدى صنّاع القرار بما يخص حرية التعبير، حيث لن يتحقق الإصلاح الاجتماعي في دولنا العربية حتى يتم كسر حاجز الخوف من التعبير عن الظلم والفساد الذي يسود على الشعب والذي كان السبب في توّليد مجتمع سلبي فاقد الأمان وباحث عن حقوقه. لذلك، وجدنا أن شبابنا المعارضين تواجههم انتهاكات متواصلة، وذلك بما يخدم أصحاب السلطات وصنّاع القرار. ويمكننا الاستشهاد بما سمعناه مؤخراً عن رجل الدين «سلمان العودة» المحتجز في المملكة العربية السعودية، وقد كانت تهمتهُ أنهُ كان يدعو لاحترام حقوق الإنسان في أُطر الشريعة الإسلامية، إلا أن ما طلبهُ الإصلاحي سلمان العودة كان لا يتوافق مع رؤية المملكة وهذا ما دفعهم لاحتجازه وإصدار أمر بإعدامه. بالإضافة لما حدث مع الصحفي السعودي جمال خاشقجي الذي قُطع جسدهُ بمنشارٍ في القنصلية السعودية في تركيا بسبب رأيه الذي يتعارض تماماً مع رؤية المملكة، على الرغم من أن خاشقجي لم يكن معارضاً بل كان يسعى للإصلاح عن طريق التعبير عن رأيه، وكانت نهايته بشعة. بالإضافة إلى آلاف المعتقلين في السجون في البلدان العربية مثل مصر وسوريا وغيرهما وذلك بسبب التعبير عن آرائهم. فالسؤال الذي يدور في عقولنا كلما سمعنا عن الاعتقالات والقتل بسبب تعبير البعض عن آرائهم هو: لو أن الذين ينزعجون من المعارضين على صواب، لماذا يخافون الرأي الآخر؟ ما السبب؟ فأساس فكرة حرية التعبير موجود في الدساتير وخصوصاً العربية، ولا يمكننا إنكار ذلك. ولكنها معطلة، وكما نعلم أن التعبير عن الرأي أصبح يُهدد حياة الأشخاص، فكيف وصل الحال بنا لما نحن عليه الآن، فقد أصبح التعبير شيئا مخيفا جداً وهذا ما يعتبر انتهاكا لحقوق الإنسان وعدم احترم لكرامته، فكرامة الإنسان تتمثل في حرية التعبير، لأن الإنسان في هذه الحالة لن يكون قادرا على الإفصاح عن نفسه، وبالتالي يصبح غير قادر على التفاعل مع الآخرين. فلم نتمكن في هذه الردهة من زماننا أن نفهم هل حرية الرأي حق من حقوق الإنسان، أم جريمة يعاقب عليها الفرد؟