12 سبتمبر 2025

تسجيل

جوانتانامو الذي يصادر الحياة

28 يناير 2014

معتقل جوانتانامو الأمريكي وضع الإنسانية وحقوقها على حافة الهاوية، إن لم تسقط تلك الحقوق في الهاوية بصورة قطعية، فالممارسات غير الإنسانية وظروف الاعتقال الرهيبة لضيوف المعتقل تكشف عن أحد أسوأ أشكال التعسف في تجريم الناس وحرمانهم من أبسط الحقوق، وحين تكون مشبوها أو متهما إرهابيا فإن ذلك أسوأ ما يمكن أن يحصل لإنسان، وهي الصورة التي ترغب الولايات المتحدة الأمريكية في إيصالها لكل من هم ضدها أو إرهابيون محتملون، وربما يكون ذلك إيجابيا في السياق الجنائي الأمريكي ولكنه غير مناسب إنسانيا.لم تبذل الإدارات الأمريكية جهدا في تبرير إبقائها للمعتقل، وقد استبشر العالم خيرا بالرئيس باراك أوباما الذي أبدى استعدادا لإغلاق المعتقل منذ ولايته الأولى، غير أنه لم يفعل، لأنه يمكن تصور أن القرار بذلك يخضع لتعقيدات كثيرة ومحطات متعددة يمر بها قبل أن يوقعه الرئيس، وذلك لن يحدث، خاصة أنه ليس مجالا للمناورات الانتخابية، فكل أمريكي يفضل الاحتفاظ بأي إرهابي وفقا لقياساتهم خلف قضبان هذا المعتقل.وفي الواقع تكسب أمريكا أمانا مقدرا من نشاط أعدائها ولكن تختزن فكرة صادمة إنسانيا عن سلوكها الحضاري والإنساني، بالنظر إلى ما تفعله بالمعتقلين الذين يمكن حبسهم دون محاكم لسنوات طويلة في ظروف أسوأ من البشاعة، ورغم أن كثيرا من الناشطين والمنظمات الحقوقية طالبت بإغلاق المعتقل، إلا أنها لم تسمع حيا، بل واصلت الإدارة الأمريكية وأجهزتها الأمنية اصطياد الأعداء من كل مكان والزج بهم في أتون جوانتانامو.لا يمكن إغلاق ملف جريمة بارتكاب جريمة، فإذا كان كثير من المعتقلين متورطين في أنشطة إرهابية ضد الولايات المتحدة، فذلك لا يعني استباحة حياتهم وحقوقهم الإنسانية طالما هناك نظام وتشريعات وحقوق، ومخالفة ذلك تعني جريمة مضادة، كما أن الإدارات الأمريكية لم تبذل جهدا أيضا في إصلاح صورتها وإنتاج مزيد من الكارهين لها ولسياساتها، مما اضطرهم ودفعهم لأعمال مضادة تستهدف الولايات المتحدة ومواطنيها ومصالحها، وهنا لدينا مفارقة في الفعل والفعل المضاد، فحينما تقصف طائرات أمريكا الأبرياء في أفغانستان وباكستان، فإنها لم تلق إليهم أزهارا، وإنما موت يردوه بمثله، فيكون جزاؤهم إذا تم إلقاء القبض عليهم أحياء أن تصادر حياتهم في جوانتانامو، ولذلك من الضروري أن تعيد أمريكا النظر في هذا المعتقل وأسباب تخزين "الإرهابيين" فيه وارتكاب جريمة مناظرة لجرمهم.