11 سبتمبر 2025
تسجيلإن أقسى اللحظات التي يمكن أن يعيشها إنسان أن تسلب منه نعمة، وتزداد هذه اللحظات قسوة عندما يكون الإنسان في حاجة إلى هذه النعمة، وحكى القرآن الكريم عن هذا المعنى فقال: (أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب...الآيات). أما النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان يستعيذ بالله من الحور بعد الكور، أي النقصان بعد الزيادة، وذلك في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه وأصحاب السنن عن عبد الله بن سرجس أنه قال كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا سَافَرَ يَتَعَوَّذُ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ وَالْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ وَدَعْوَةِ الْمَظْلُومِ وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الأَهْلِ وَالْمَالِ. قال السيوطي في الديباج على شرح الإمام مسلم: "يقال حار بعدما كار أي رجع من زيادة إلى نقص ومن استقامة إلى خلل ومن صلاح إلى فساد". إن حديث القرآن عن السلب بعد العطاء يعد درساً للبخلاء، وعظة للأسخياء، فللفقراء الحق المعلوم وليست منة يعطيها الغني للفقير، بل إنه يسدد حقا عليه، وإن منع الزكاة كمنع الصلاة، فهي ركن من أركان الإسلام الخمسة. ولقد صور القرآن هذه المسألة بشكل عام وأعطاها أمثلة من قصص الأولين، ففي سورة البقرة تحدث عن الصدقات وإحباطها بالمن والأذى وفي سورة الكهف تكلم عن صاحب الجنتين الذي قال للفقير أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا، ثم أحاط الله بثمره واحترقت الجنة لأنه لم يشكر الله ولم يعط الحق المعلوم من هذا المال، وكذلك في قصة أصحاب الجنة الذين تخفوا في الليل لجمع الثمار كي لا يعطوا الفقراء، فكان عقابهم السلب بعد العطاء وأخذ الله منهم جنتهم وأصبحت كالصريم. أما قارون فسلب نعمة الحياة وخسف الله به وبماله الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين. لكن السلب بعد العطاء يكون ابتلاء للصالحين تمحيصا لإيمانهم، وهذا ما حدث لنبي الله أيوب الذي علم البشرية درسا في الصبر، ورأى أن ما أخذ منه من نعم أقل بكثير مما أعطاه الله، وكان كثير الشكر دائم الصبر. ويعلمنا الله أن عطاءه يزيد على الكريم الشاكر، ووعد فقال: (لئن شكرتم لأزيدنكم) وشكر النعمة لها طرق أهمها أن تعطي الفقراء حقهم المعلوم الذي حدده الله تعالى.