12 سبتمبر 2025

تسجيل

.. ورأيت الناس يخرجون من العروبة أفواجاً؟!

27 ديسمبر 2023

إذا رأيت الناس يخرجون من العروبة أفواجا، فلا عجب، الخروج أفواجا ذكره ذلك الفتى الذي خاطب الحجاج، مردفا: «إنهم كانوا يدخلون على عهد الرسول الكريم... ولكنهم يخرجون الآن بظلمك». الآن لا شك أن من الناس من يخرجون من دين الله ومن العروبة، معا، وإن كان الخارجون من العروبة أكثر. فها هي دول حملت صفتي العروبة والإسلام لقرون عدة، تقود شعوبها نحو خروج تدريجي ومنظم من العروبة والإسلام بلا حياء، بأفعال كثيرة، منها إلغاء كل ما يشجع على الطاعات وحتى صلاة الجمعة، وتوجتها بإعلانات صريحة وأخرى مبطنة عن تخليها عن أهل غزة ووقوفها مع العدو. خذل العرب أهل غزة، ومقاومتها، وباستثناء قليل جدا خذل المسلمون، وقبلهم حكامُهم، هؤلاء المرابطين في أكناف بيت المقدس، وفي أماكن أخرى. استثناءات تطرح أسئلة صعبة ولكن جوهرية نحو تحديد من هو العربي ومن هو المسلم، في هذا الزمان، بل، نحو ضرورة معالجة أزمة هوية كانت تعتمل منذ عقود ولكنها ستستعر، عاجلا أم آجلا، بدرجة أكبر وستجتاح نفوس وعقول الشعوب التي كانت تسمى لقرون مضت شعوبا عربية إسلامية. ولا شك أنها ستضعنا أمام حقائق قاسية، وستأتي بتغييرات كبيرة، قد تتصل مباشرة، أو عبر مراحل يعلم الله عددها، بتأسيس دولة الخلافة التي بشر بها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في بيت المقدس. خاصة مع تحقق نبوءات أخرى، عن عودة الدين غريبا كما بدأ، يجسدها تزايد دخول «الأغراب» أفواجا في الدين شرقا وغربا. من العربي إذن؟ هل العربي بمعناه المستقر في الأذهان هو من يتكلم اللغة العربية؟ هل يكفي تحدث اللغة للانتماء؟. هل تحدث اللغة مع إيقاع الضرر بأهلها يُبقي الفرد ضمن نفس الجماعة؟ سؤال آخر سيجعل الإجابة أوضح وأسهل. من المسلم؟ هل المسلم هو كل من ادعى الإسلام بلسانه؟. هل يكفيه أنه ولد مسلما، أو أنه يصرح شفاهة بالشهادتين؟ ألم يخبرنا قرآننا بأن ذلك لا يكفي؛ «.. ولم تؤمن قلوبهم». ألم يرد الحديث النبوي، على ضعف روايته، بأن «من لم يهتم لأمر المسلمين فليس منهم»!. إذا كانت الإجابة عن السؤال الثاني بالنفي القطعي فإن الإجابة عن الأول هي بالمثل. نحن، إذن، بصدد أجيال من العرب والمسلمين بالاسم فقط وقلوبهم مع الأعداء، والذين سمى الدكتور عبدالوهاب المسيري بعضهم، كما أشرنا من قبل، صهاينة العرب. ولولا بقية من جيوب صغيرة مثل غزة، ودولة هنا أو هناك، لكان من غير المبالغة القول إنه لم يعد هناك عرب ولا عروبة على هذه الأرض. ولولا بقية من مؤمنين، هنا وهناك أيضا، لما كان من الخطأ كذلك القول إنه لم يعد هناك إيمان على وجه هذه الأرض. ومع أن هذا يبقى مجرد رأي وليس فتوى، فيمكن أن ننعي عروبة وإسلام كثير من زعماء تلك الدول وكثير من علمائها. فها هي عملية طوفان الأقصى قد وضعت الشعوب أمام خيانة وعمالة كثير من الحكام وأتباعهم، وجها لوجه وبلا أي مواربة، وأظهرت عجز تلك الشعوب عن إحداث أي تغيير بينما حكوماتهم تساهم في قتل إخوتهم في غزة. والشعوب في هذه الأزمة ممزقة بين إيمانها بواجب النصرة الذي تحمله في عنقها، باعتبار أنهم جسد واحد، وبين خنوع وعمالة أولئك الحكام الذين لم يعد واضحا، هل كانوا في الأصل من العرب والمسلمين أم من انتماءات أخرى. ورغم الألم مما يحدث فيجب ألا نصاب بالجزع، فلم يكن صلاح الدين الأيوبي عربيا عندما حمل هم تحرير الأقصى. ولم يكن كثيرون قبله وبعده من القادة عرباً عندما حملوا همّ الدفاع عن مقدسات الإسلام والعروبة معا. ولم يكن أغلب العلماء الذين اشتهروا في دولة الإسلام في علوم الدنيا والدين عربا بالمولد. بل لم يكن سيبويه، إمام النحاة، عربيا في أصله، بل فارسيا، وقس على ذلك كثيرا لا يعد. والعروبة لم تفد الإسلام قدر ما أفادها الإسلام الذي هو أعلى وأبقى. وقد أجمع فلاسفة ومفكرون منهم البروفيسور هاملتون جب على أن «الصبغة العربية التي صبغت الإسلام، لم تأت من التأثير الاجتماعي المباشر للوسط العربي، أو العرب الذين اعتنقوا الإسلام، بقدر ما أتى بها القرآن» وأن القرآن هو الذي أفاد اللغة العربية وحفظها وليس العكس. كما قال البروفيسور ألدو مييلي في كتابه «العلم عند العرب» إنه لم يجد عند تحليله لعلوم العرب من القرن 8 إلى القرن 13، عالما واحدا عربي المولد. ولا شك أن الكثير من أبناء شعوب الدول التي تسمى عربية سيصابون بأمراض نفسية عدة أقلها الاسكتسوفرينيا، أو الفصام النفسي، إذا بقيت أوضاع بلادهم على ما هي عليه في حال طال أمد كارثة الإبادة الجماعية ضد أهل غزة أو حتى إذا انتهت نهاية ليس فيها انتصار واضح للمقاومة. فعندها ربما يغر أولئك «البين بين»، الذين هم لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، شيطانهم ويفرحون بدعمهم للعدو، وتزداد الأمور تعقيدا. فالبعض يرجعون سيرتهم الأولى ليعودوا أعرابا كما كانوا وليس عربا، والفارق كبير. ولا غرابة في ذلك ونحن نتابع بألم منذ عقود من يشعرون بالدونية بسبب لغتهم العربية، ويحاولون تعليم أبنائهم لغات أخرى. ولا غرابة أيضا، ونحن نعلم من ديننا أنه لا تقوم الساعة حتى تعود الأصنام إلى جزيرة العرب، وهي قد بدأت بالفعل.