15 سبتمبر 2025
تسجيلمنذ فترة ليست بالقليلة خرجت على الملأ مشاريع سياسية عراقية تتسم بالغرابة ولا تتناسب على الإطلاق مع الأوضاع الشاذة السائدة في العراق والتي اتخذت للأسف خلال الشهور الأخيرة منحى واضحا يتجه نحو نهايات حرب طائفية مروعة تأكل الأخضر واليابس وتكرس إفلاس وفشل العملية السياسية التي ظلت كسيحة ومتعثرة رغم مرور عقد كامل على انطلاقتها وتبلورها ودخول العراق بعدها في مختبر الأزمات والانقسامات المؤدية للتشظي والتقسيم وتدمير كل أواصر الوحدة الوطنية. لقد كان مخطط تقسيم العراق لكانتونات طائفية وعرقية ضعيفة ومتصارعة مطروحا على موائد السياسة الدولية منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي، وبعد مرحلة حرب السادس من أكتوبر 1973 التي أريد لها أن تكون آخر الحروب العربية/ الإسرائيلية والتي شهدت تضامنا عربيا غير مسبوق غير كل معالم وشكل الصراع الدولي والإقليمي وأطلق سلاح البترول العربي كسلاح ضغط رهيب في المعركة القومية، فكان القرار الدولي بعدم تكرار ذلك الوضع. وتم اللجوء لمقاربات وسيناريوهات ومخططات تشمل تفعيل الصراعات الداخلية في دول الإقليم والعمل على محور بناء وتعزيز تقسيمات عرقية وطائفية، وكان العراق بتنوعه الديموغرافي والعرقي البلد النموذج لذلك التقسيم والمخطط!!، وهو الأمر الذي أعلنه الرئيس العراقي السابق والراحل صدام حسين بنفسه عام 1980 حينما كشف علنا وتحدث صراحة عن وجود مخطط دولي لتقسيم العراق لثلاث مناطق متنازعة حددها بالدولة الكردية والدولة الشيعية والدولة السنية كبديل عن الدولة الوطنية الجامعة المانعة. ولكن للأسف رغم وضوح الرؤية فإن القيادة العراقية السابقة فقد وقعت في الفخ وهيأت كل مستلزمات وشروط تنفيذ ذلك المخطط بسياستها غير المسؤولة ولا الواقعية والتي بلغت القمة في قراءة الوقائع والجهل مع عملية غزو واحتلال دولة الكويت عام 1990 والتي رسمت سيناريوهات متغيرات كبيرة قادمة على الرمال العربية!. المهم أن العراق وهو يعيش اليوم نتائج ما بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003 ونشوء ديمقراطية متهالكة على أسس طائفية هشة تأسست فيه مراكز قوى طائفية تحاول تسويق لعبة إقامة دويلات منفصلة تحت شعارات حق أريد بها باطل! مثل القول بالاستفادة من إمكانات وثروات الأقاليم والمناطق العراقية المختلفة عبر تأسيس دويلات أو أقاليم تكون مواردها في خدمة شعب الإقليم. هذا الكلام نظريا قد يبدو ذهبيا وزاهيا وطافحا بالأمل والشعارات والوعود الوردية ولكنه في حقيقة الأمر وصفة خبيثة وسامة لتكريس انقسام وطني حاد يكرس الطائفية والانعزالية بكل أبعادها البدائية المتخلفة ويجهز بالكامل على أطروحة الدولة الوطنية القوية الجامعة المانعة. ففي محافظة البصرة العراقية الجنوبية الغنية بالنفط ينشط اليوم تيار سياسي بشخوص مشبوهة مرتبطة بقيادات تيار رئيس الحكومة العراقية السابق ونائب الرئيس العراقي الحالي نوري المالكي في دولة القانون أي بعض من أتباع حزب الدعوة الطائفي للعمل من أجل إعلان البصرة إقليم مستقل بموارد مستقلة وحكومة مستقلة على غرار الوضع في كردستان العراق! بل إنهم رسموا علما خاصا للإقليم هو في حقيقته مسروق من علم مملكة ليسوتو الإفريقية مع بعض التعديلات البسيطة!؟. هذا التيار يدعو حاليا لجمع تواقيع شعبية والمضي بعيدا في ذلك الاتجاه التقسيمي والذي يقوده أيضا أشخاص تثار حولهم شبهات عديدة، فإقليم البصرة الموعود لن يحل أبداً مسألة التخلف الإداري والحضاري الذي تغرق في أوحاله المحافظة، لكون الأحزاب الطائفية المهيمنة هي نفسها من ستتولى تسيير الأمور، بل إن هذا الإقليم سيكون حلقة ضعيفة أمنيا في رأس الخليج العربي وسيخضع لهيمنة إيرانية صرفة ومطلقة!! وهو بيت القصيد؟ والطريف أن بعض الأطراف المتورطة في تلك الدعوى المشبوهة حاولوا اللعب طائفيا بالإعلان عن كون المرجع الشيعي السيستاني من أنصار ذلك التوجه، إلا أن مكتب السيستاني أصدر بيانا نفى فيه جملة وتفصيلا أي موقف مساند لذلك الإقليم المسخ. هنالك محاولات حقيقية اليوم لتفعيل ميداني لملف تقسيم العراق وإنهائه، ومن البصرة بالذات تتحرك الزعانف للتنفيذ!، ولكن هل سيكتب لذلك المشروع النجاح؟ كل الدلائل الميدانية تؤكد فشل ذلك المشروع لكونه مخالفا بالكامل لمصلحة الشعب العراقي في الشمال أو الجنوب والذي يكافح من أجل عراق حر موحد متصالح مع نفسه ومع الجوار القريب، وهي المهمة الأصعب والتحدي الكبير. لا مجال أبداً لأي مشاريع وهمية تدس السم في العسل!