17 سبتمبر 2025

تسجيل

فرنسا والمغرب الإسلامي: الجرح النازف

27 ديسمبر 2012

في حلقة جديدة من حلقات المسلسل القديم المتعلق بالعلاقات الفرنسية المغاربية أدى الرئيس فرنسوا هولند زيارة قيل عنها إنها "تاريخية" للجزائر خلال الأسبوع الماضي وهي بالفعل حلقة جديدة تضاف لزيارات مماثلة قام بها الرؤساء الذين سبقوه للجزائر و نعتت هي أيضا بالتاريخية و أثبتت الأيام بأنها مرت مرور الكرام على مجرى التاريخ و لم تغير شيئا يذكر في طبيعة العلاقات الفرنسية المغاربية. فالعواطف الجياشة و تراكم الذكريات بين الشعبين تشكل عوائق نفسية تمنع قيام علاقات عادية طبيعية بين فرنسا المستعمرة القديمة و الجزائر المتحررة منها بل ومع الجزائر سائر بلاد المغرب الإسلامي. وهنا لا بد أن أوضح أمرين قبل التطرق لنتائج زيارة هولند: الأول هو سبب تسميتي للمغرب بالإسلامي و ليس العربي فأنا أصررت و ثابرت منذ ثلاثين عاما على نعت المغرب بالإسلامي ليس على هوى التنظيمات السياسية الراهنة بهذا الإقليم و لكن من أجل الإقرار بالحقيقة التاريخية و الحضارية فالشعوب المغاربية يجمع بينها الإسلام وتفرق بينها العروبة على عكس شعوب المشرق العربي التي تجمع بينها العروبة ويفرق بينها الإسلام ففي الشام بسوريته و لبنانه و فلسطين والأردن و العراق تعايش العرب عرقا مع بعضهم البعض وهم ينتسبون لأديان مختلفة أبرزها الإسلام و المسيحية بفرعيها الكاثوليكي و الأرثوذكسي إلى جانب ملل و نحل أخرى متفرعة عن الطوائف و المعتقدات القديمة كالدروز والعلويين والإسماعيليين و البهائيين و السامريين وسواهم. أما الناس في بلدان المغرب فهم مسلمون سنة في أغلبيتهم حتى لو لم يكونوا عربا بل إن جزءا هاما منهم أمازيغ عرقا و لغة و ثقافة و لكن ينتمون حضارة إلى فضاء الإسلام الواسع. فالمصطلح الأنسب و الأصح هو المغرب الإسلامي و ليس المغرب العربي و لم نسمع بعبارة المغرب العربي إلا سنة 1948 حين تم تأسيس مكتب المغرب العربي في القاهرة على أيدي زعماء الاستقلال المغاربيين مثل بورقيبة وعلال الفاسي و عبد الكريم الخطابي و لم يكن ذلك إلا تنازلا عند موجة القومية العربية السائدة في المشرق آنذاك و خاصة في القاهرة و دمشق بدفع ممنهج من النخبة المثقفة العربية المسيحية المشرقية التي تعتقد بأن الإسلام يهمش الأقليات غير المسلمة و أن إعلاء شأن القوميات يحد من تيار الإسلام القوي وهي نفس إستراتيجية الإمبراطوريات الاستعمارية حين أرسلت الجاسوس لورنس العرب لتدمير الخلافة العثمانية بوعود المملكة العربية للشريف حسين و أولاده. أما الأمر الثاني وهو إشارتي في العنوان بأن الجرح ما يزال نازفا و لم يلتئم بين فرنسا و المغرب الإسلامي فمرده إلى إصرار غريب لدى كل الحكومات الفرنسية المتعاقبة منذ 1962 تاريخ استقلال الجزائر إلى اليوم على نكران جرائم الاستعمار ضد شعوبنا و رفض تقديم اعتذار الدولة الفرنسية لأجيالنا المغاربية على فظائع متراكمة منذ 1830 باحتلال الجزائر إلى 1881 باحتلال تونس ثم المغرب سجلها التاريخ و تتمثل في عمليات إبادة عنصرية لقبائل كاملة و إحراق قرى و حقول بالنابلم و تغيير هوية هذه الشعوب ببرامج تعليم و ثقافة مشوهة و مدلسة لروح الأمة ما نزال نتحمل تبعاتها إلى اليوم حين نرى و نسمع جل المغاربيين يعجزون عن التعبير باللغة العربية و يلجأون إلى تأتأة لغة فرنسية ركيكة أو خليط عجيب من اللغة العربية و الفرنسية وهو خطر على مستقبلنا لأن هذه العاهة في اللغة هي عاهة في التفكير و تهديد لسلامة الانتماء إلى أمة لها حضارة. و خضعت الحكومات الفرنسية إلى ابتزاز اليمين المتطرف و جمعيات قدماء المحاربين في الجزائر لترفض حتى مجرد الاعتذار الذي منحه الرئيس شيراك لليهود لمجرد أن الدولة الفرنسية ساعدت يوم 16 يوليو 1942 القوات النازية على تهجير عائلات يهودية فرنسية إلى محتشدات الألمان انطلاقا من ملعب ( الفيل ديف). و كرر الرئيس هولند نفس الاعتراف بمسؤولية الدولة الفرنسية في هذه العملية و لكن حينما يتعلق الأمر بالجزائر و المغرب الإسلامي عموما فإن أي رئيس فرنسي لا يعترف بتاريخ الاستعمار الأسود بل إن ساركوزي تجاوز هذا النكران إلى حد تأييد سن قانون كان أعده شيراك ( قانون 23 فبراير 2005) يقول حرفيا بأن للاستعمار فضلا على تمدين الشعوب! و صرح سنة 2008 بأن فرنسا لا يجب أن تعتذر أو تندم على ما صنعته من تاريخ استعماري. و نتذكر أن الاشتراكيين نددوا بهذا القانون آنذاك وهم معارضون و اليوم نراهم في السلطة مترددين إزاء تضميد الجراح النازفة و طي صفحة الذاكرة الوطنية بالصدع بالحق و تدشين عهد جديد من التعاون بين فرنسا و المغرب الإسلامي أساسه الندية و الاحترام المتبادل و خدمة مصالح الضفتين الواقعتين على البحر الأبيض المتوسط. ولكن عوضا عن هذا التعاطي الحكيم نلاحظ استمرار منطق السياسات الأمنية و التجارية لدى باريس أي أمنيا صد الهجرات غير الشرعية من سواحل الجنوب و تجاريا اعتبار الشعوب المغاربية أسواقا لا غير في حين يقتضي العصر الراهن بربيعه العربي سن علاقات دولية بين ضفتي المتوسط على أساس حضاري و مصيري أعمق و أرسخ و اعتبار هذا المغرب الإسلامي الأشم شريكا أقرب لفرنسا من بولونيا و المجر و بلغاريا و رومانيا التي تحالفت في الأربعينات مع عدو فرنسا هتلر و حاربت معه بينما كان أجدادنا المغاربيون يقاتلون مع الفرنسيين والعالم الحر ضد الاحتلال النازي. فكيف تنسى باريس فضل هؤلاء؟