15 سبتمبر 2025

تسجيل

رسائل معركة الاستفتاء على الدستور

27 ديسمبر 2012

انتهت معركة الاستفتاء على الدستور وجاءت نتائجها وفق توقعات من يتابعون حقائق الأمور على أرض الواقع، وليس كما يروج لها الإعلام المصري المساند لما يسمى بجبهة الإنقاذ الوطني. فقد وافق الشعب المصري على مشروع الدستور بأغلبية الثلثين وهي نسبة تاريخية بكل المقاييس، إذ لم يوافق شعب من شعوب العالم على دستوره بمثل تلك النسبة، حيث كانت أعلى نسبة للموافقة هي 61% وهي تلك التي حظي بها الدستور الإيطالي. لكن لم تكن النسبة العالية للموافقة على الدستور هي الرسالة الوحيدة التي أرسلها الشعب المصري للنخبة، سواء الحاكمة أو المعارضة، خلال هذه المعركة. فقد كانت هناك ثلاث رسائل أخرى أراد من خلالها أن يضبط المشهد السياسي الذي اختل كثيرا بسبب الممارسات الخاطئة. أولى هذه الرسائل تتعلق بمن يملك حق الحديث نيابة عن الشعب المصري. فقد شاهدنا كيف كان فريق المعارضة يؤكد ليل نهار أنه يعبر عن الشعب، وأن اختياراته هي تلك التي يريدها الشعب. وزاد هذا الأمر بعد أن نجح في حشد عشرات الآلاف في تظاهرات للاحتجاج على الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس مرسي. وهو الأمر الذي دفعه إلى السعي لإسقاط مشروع الدستور من خلال الدعوة لرفض عملية الاستفتاء ثم الدعوة للتصويت برفض المشروع. لكن الشعب أراد أن يلقن هؤلاء درسا في ضرورة توخي الحذر عند الحديث باسم الشعب، فقام برفض تلك التوجهات وشارك بكثافة في عملية الاستفتاء ليقول كلمته بالموافقة على مشروع الدستور. الرسالة الثانية كانت للرد على الإشاعات التي أطلقتها قوى المعارضة والإعلام المساند لها بشأن تراجع شعبية التيار الإسلامي بعد فشله في إدارة أمور الدولة، حيث جاءت نتيجة الاستفتاء لتؤكد أن شعبية الإسلاميين تزداد ولا تنقص، وذلك في ظل انكشاف المعارضة العلمانية التي ثبت بالأدلة القاطعة أنها لا تسعى سوى لتحقيق مصالحها الخاصة، حتى ولو كانت النتيجة هي حرق البلاد من خلال إدخالها في آتون حرب أهلية لا تبقى ولا تذر. فبعد أن حصل التيار الإسلامي بمشاركة بعض القوى الثورية على 51% في الانتخابات الرئاسية، إذا به يحصل منفردا في مواجهة كل القوى السياسية على 65% خلال عملية الاستفتاء على الدستور. وهي النتيجة التي تؤكد على أن الخيار الإسلامي ما زال هو الخيار الأول للشعب المصري، خاصة في ظل الحرص الذي أبداه الإسلاميون خلال الأزمة الأخيرة على عدم جر البلاد إلى حرب أهلية بعد حرق مقرات الإخوان وحزب الحرية والعدالة وقتل عشرة من خيرة شبابهم. الرسالة الثالثة موجهة للتيار الإسلامي نفسه، الذي غرق حتى أذنيه خلال الشهور الماضية في سعيه للتوافق مع قوى التيار العلماني، التي ليس لها هدف سوى إقصاء الإسلاميين وإسقاط النظام الجديد الذي يسيطرون عليه. فنتيجة الاستفتاء تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الشعب المصري سئم كل ما يقال عن فكرة التوافق التي تتعارض تماما مع مبادئ الديمقراطية. ولذلك فهو يدعو الإسلاميين الذين يمثلون الأغلبية، إلى التوقف عن سعيهم للتوافق مع المعارضة، وتحويل هذا الجهد لبدء العمل في تنفيذ البرنامج الذي انتخبهم على أساسه سواء في الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية. فذلك هو ما يدفع مصر للإمام ويخرجها من سلسلة الأزمات المتلاحقة التي سقطت فيها. وكذلك لترسيخ مبادئ الديمقراطية الحقيقية من خلال وجود أغلبية تحكم وأقلية تعارض.