12 سبتمبر 2025
تسجيلكلنا مسؤولون عما جرى وما سيجري لجنوب السودان والمقبل على الانفراط من عقد الوطن سيصبح السودان ممزقا سيغادر الجنوب إلى غير رجعة فرطنا فيه بأيدينا: حكومة مركزية في الخرطوم ونخب سياسية في أنحاء الوطن شمالا وجنوبا وقيادة للحركة الشعبية مارست الالتواء والمناورة لفصل عرى السودان. كلنا مسؤولون عن الحدث الخطير القادم في التاسع من يناير الذي سيهل علينا بعد أيام وأمة العرب مسؤولة أيضاً فهي وقفت عاجزة عن تقديم العون للمحافظة على جنوب السودان وهو جزء حيوي من وطن ينتمي للعروبة حتى لو اختلفت ألوان الوجوه فيه تركته يواجه مصيره وحيدا. والآن جاءت النهاية لتقدم فصلا من فصول الانقسام القادمة بقوة في أرجاء الوطن العربي الكبير ويشكل رحيل الجنوب بداية لانفراط عقود أكثر من جنوب أو شمال في الدول العربية المركزية الكبرى ولعل ما دعا إليه مسعود البرزاني مؤخرا من ضرورة تقرير مصير شمال العراق أو ما يسمى بإقليم كردستان يمثل البداية وجنوب اليمن يتأهب بقوة للرحيل والمناوشات الطائفية في مصر التي تتجلى بين الحين والآخر تعكس حالة من تململ مسيحي من الاستمرار في وطن تسكنه أغلبية مسلمة جاءت وفق زعمهم بقوة الاحتلال قبل عشرات القرون بعد الفتح العربي لمصر وغيرها من الأقطار في المناطق المحيطة بالجزيرة العربية. خائف أنا من انقسام السودان وتشطيره بين شمال وجنوب خائف ليس على السودان فحسب وإنما على أمة العرب التي ما فتئت تواجه كل قرن مأساة تفضي إلى التهام أجزاء من أراضيها وهيمنة آخرين عليها على نحو يشكل خصما من رصيدها الجغرافي والبشري ومواردها ومقومات نهوضها والمؤسف أن الجزء المنهوب والمغتصب يتحول في غمضة عين إلى عدو والبداية كانت من الأندلس قبل ثمانية قرون ثم جاءت نكبة فلسطين في العام 1948 والتي ما زلنا نعاني من تداعياتها الخطيرة وها هو جنوب السودان يستعد لأن يتحول إلى دولة على تخوم الأمة متبنيا مفردات ولغة مغايرة وخطابا سياسيا أكثر اقترابا من الكيان الصهيوني خاصة بعد أن أعلن رئيس حكومته سلفاكير ميريت قبل فترة وجيزة أنه سيفتح أبوابه لعلاقات وأشكال من التعاون مع هذا الكيان وكلها بالتأكيد لن تصب في خانة يمكن أن تكون في مصلحة الأمن القومي العربي وبالتحديد المصري لاسيَّما أن هذا الكيان يسعى إلى محاصرة المحروسة من كل جانب ويريد أن يشكل خنجرا في أي خاصرة لها سواء في الشرق عبر احتلال فلسطين أو في الجنوب عبر تقديم الدعم اللوجستي للحركة الشعبية ولكل ألوان التمرد التي نشأت في هذه المنطقة ضد الحكومة المركزية والتي بدورها كانت ترتكب أخطاء فادحة بداية من أول حكومة بعد الاستقلال في العام 1956 ووصولا إلى حكومة الإنقاذ الوطني والتي تولت السلطة في العام 1989. واللافت أن قادة الأمة لم يؤرقهم هذا الانفصال القادم فلم يتداع لعقد قمة استثنائية لبحث تداعيات هذا الحدث الجلل إلا نفر محدود منهم ربما لشعورهم بمخاطر الزمن الآتي وهما الرئيس المصري حسني مبارك والعقيد معمر القذافي قائد الثورة الليبية وذلك لأن دولتيهما هما الأكثر تماسا وتقاطعا مع السودان وتأثرا بما سيفضي إليه الانفصال القادم. فقد سارع الزعيمان إلى الخرطوم واجتمعا مع كل من الرئيس البشير ونائبه الأول سلفاكير ميريت وشاركهما القمة الرئيس الموريتاني محمد عبد العزيز والذي كان موجودا بالصدفة في العاصمة السودانية في زيارة رسمية. صحيح أن ما رشح عن هذه القمة محدود ولا يتعدى الجمل الإنشائية التي لم تخرج عن عبارات مجاملة سياسية لكنها حسب ما أكد لي خبير مصري متخصص في الشؤون الإفريقية هو الدكتور حلمي شعراوي أسهمت إلى حد ما في تهدئة خواطر شريكي الحكم بعد سلسلة من التصريحات العنيفة المتبادلة بينهما في الآونة الأخيرة غير أن المأمول لم يكن مجرد تهدئة خواطر بقدر ما كان محاولة إقناع الطرفين للقبول بصيغة وحدوية لا تهدد الأمن القومي العربي أو مصالح الأمة أو مصالح الشمال وذلك بالتأكيد كان يتطلب عقد قمة عربية موسعة في الخرطوم من دون إجراءات بروتوكولية معقدة بشرط أن تتبنى جملة من الخطوات العملية الرامية إلى إشعار الجنوبيين بأنهم جزء فاعل من أمة تحترم التنوع العرقي والثقافي وهو ما كان أحد أهم ملامحها منذ تكون أول دولة إسلامية منذ أربعة عشر قرنا من الزمان. كلنا أخطأنا في حق الجنوب ولكن الجنوب أخطأ بارتكابه حماقة الانفصال، صحيح أنه قد يشعر بالزهو في البدايات غير أن معضلات عديدة ستواجهه ولن يجد نصيرا يقف إلى جانبه من هؤلاء الذين مارسوا التحريض ضده للتحرك بعيدا عن الوطن الموحد وبناء دولة يعدها الكثيرون من المراقبين بأنها ستكون دولة فاشلة بكل المقاييس. وأخطأت القوى السياسية الشمالية المعارضة التي لم تمارس أي فعل إيجابي باتجاه وضع حد للتمدد الانفصالي في الجنوب والمدهش أن قيادات هذه القوى لم تسع إلى زيارة أي من مدن الجنوب إلا في آخر أعوام الفترة الانتقالية المكونة من ستة أعوام وقد أثرت هذا الأمر مع صديق هندي عضو المكتب السياسي للحزب الاتحادي الديمقراطي خلال زيارته الأخيرة فقال لي: إن هذه القوى كانت مغيبة عن المشاركة في رسم ملامح الواقع السياسي في العقدين الأخيرين وبالتالي تفتقد القدرة على أن يكون لها دور في مسألة الوحدة أو الانفصال وهو ما يجعلها بعيدة عن تحمل أي مسؤولية عن تقطيع أوصال وطن قائم واقعا وتاريخا وقانونا وبما يمكن أن ينتج عن ذلك من خراب ودمار وربما فوضى بعد الاستفتاء في التاسع من يناير المقبل قد تهدد بزوال الكيان الإقليمي المتمثل في الدولة السودانية ويرى أن الانفصال تقرر في التاسع من يناير من العام 2005 بالتوقيع على اتفاقية نيفاشا وما أعقب ذلك كان تجسيدا لهذا الخيار على الأرض خلال الفترة الانتقالية معربا عن اعتقاده بأن الجنوبيين كانوا مضمرين الانفصال منذ اليوم الأول لدخولهم في عملية التفاوض التي أفضت إلى هذا الاتفاق وعملوا في سبيل ذلك على إقصاء القوى السياسية الشمالية والقوى العربية من المشاركة بفعالية في هذه العملية وركزت على ما يسمى بأصدقاء الإيجاد. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل إنه تمت خلال السنوات الست الماضية تهيئة المسرح الإقليمي والدولي وتوفير الدعم العسكري والسياسي للمولود الذي ستتم ولادته قيصريا في التاسع من يناير المقبل. السطر الأخير: للمدينة مساءاتها ولي نهاري وأنت أيا فتنة الروح سكوني وإعصاري بهية عيناك وأفقك مفتوح وعشقك ممتد بفصولي ومهب رياحي وخضرة حقولي وسر أسراري أكتبك تميمة لبحاري ومعنى الصفاء لأنهاري فكوني حنطتي في جوعي وظمأ القلب لقصيدة أنت من غزلتها من خيوط أشعاري