18 سبتمبر 2025

تسجيل

الجلافة علة تصيب شعوباً بالجملة

27 نوفمبر 2017

لكل داء دواء يُسْتطب به / إلا الجلافة أعيت من يداويها قال الشاعر إن "الحماقة" أعيت من يداويها، ولا شفاء منها، ولكنني أعتقد أن الجلافة أي قلة الذوق والفظاظة وعدم مراعاة مشاعر الآخرين من أسوأ الخصال التي يبتلى بها بعض الناس. مجلة ريدرز دايجست من المطبوعات التي تستطيع أن تقرأها من الغلاف إلى الغلاف، فهي جاذبة لأن مواضيعها خفيفة ومتنوعة وشيقة، وتحفل بالعجائب والغرائب والطرائف (وبالمناسبة فإنها تمارس التبشير بالمسيحية بذكاء وتتخلل معظم محتوياتها وحكاياتها إشارات مبطنة إلى المعجزات التوراتية/ المسيحية). ومن حقك أن تتساءل: ولماذا تقرأها وأنت تعرف عنها ذلك؟  بسيطة: اللي عارف عزه مستريح، ولست مغفلاً "ينضحك" عليّ بشوية مقالات وحكايات، وعموماً فإنني أقرأ كثيرا لمن يخالفونني الرأي، ليس بمنطق " اعرف عدوك"، لأنني لا أعادي من يختلفون معي في الرأي، بل أقرأ لهم بحثاً عن الحقيقة التي قد تكون غائبة عني، وأحياناً بحثاً عن مطاعن في فكرهم وآرائهم تعزز ثقتي بموقفي! ولهذا كثيرا ما أطالع ما يرد في صحف إسرائيلية مثل هآرتس ومعاريف وجروساليم بوست، ليس لأنني أثق بما تكتبه، ولكن لأعرف وجهة النظر الإسرائيلية حول هذا الأمر أو ذاك.  ما علينا: ريدرز دايجست قامت بمسح طريف شمل 35 بلداً في مختلف القارات لمعرفة الشعب الأكثر تهذيباً (وبالتالي الأقل جلافة) في العالم، واتضح أن متوسط نسبة الذوق والتهذيب وحسن الأدب على المستوى العالمي تبلغ 55 بالمائة. يعني الأجلاف أقلية "كبيرة" لا يستهان بها لأنهم يشكلون 45 بالمائة من بني البشر، وجاءت مومباي (بومباي) الهندية في ذيل قائمة التهذيب والذوق، وأذكر أنني قلت لزميل عمل هندي إنني لاحظت خلال سنوات عيشي في منطقة الخليج، أن الهنود هم أقل سائقي السيارات ذوقا في الشوارع، ولا يفسحون لك الطريق حتى لو كنت تحمل جنازة، فقال: لأن قيادة السيارات في الهند لا تخضع لقانون مروري ولهذا فإن "القوي يأكل الضعيف"، وجاءت العاصمة الرومانية بُخارست على رأس قائمة الجلافة في أوروبا. وكانت المجلة قد كلفت فرقاً في تلك الدول باختبار الناس في مجالات بسيطة مثل قول: شكراً .. من فضلك .. تفضّل إلخ، حيث ينبغي قولها، والإبقاء على الباب مفتوحاً لمن يمرون منه خلفك في مستشفى مثلا، إلخ. وفي تقديري فإن ما يجعل نسبة التهذيب أعلى من نسبة الجلافة عالمياً هو أن الاستطلاع لم يشمل الدول العربية والأفريقية!!!  أذكر أنني كنت أجلس داخل حافلة ركاب في الخرطوم عندما ركب في إحدى المحطات شاب توجه نحوي وقال:  قوم خليني أجلس مكانك لأني تعبان. ولأنني لم أواجه موقفاً كهذا من قبل، فقد أخليت مقعدي لذلك الشاب الذي جلس دون أن يقول كلمة.  فغضبت وفكرت في ارغامه على ترك المقعد طالما هو يستكثر عليَّ حتى الشكر، ولكنني أدركت فجأة أنه طالما الرجل يتحلى بالجلافة وتكوينه الجسماني يسمح له بأن يفرمني ويقصم رقبتي بيد واحدة فـ "ما بِدَّهاش".    الغريب في أمر الاستطلاع أن نيويورك التي تشتهر بسائقي التاكسي الذين يتحلون بالجهالة وقلة الصبر، جاءت على رأس قائمة المدن المهذبة، وقال عمدة المدينة إن ذلك يرجع إلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي جعلت أهل نيويورك يدركون أن "الحياة قصيرة" ومن ثم فلا معنى لأن تكون عكر المزاج أو تعكر مزاج الآخرين. وفي أوروبا جاءت العاصمة الكرواتية، زغرب، على رأس قائمة التهذيب، فلو سقط منك شيء هرع الناس لمساعدتك في رفعه أو جمعه، وتسألهم عن الاتجاهات فيتوقفون ليعطوك وصفاً تفصيلياً، وليسوا مثل من يقول لك:  تروح سيدا وتلف عند المدرسة..  تلاقي دوار صغير تدخل منه يمين ثم أول زقاق يمين في يسار ولما توصل المسجد تعرف أنك ماشي غلط.