17 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); الصفعة التي وجهتها تركيا إلى روسيا أو ما أسماها بوتين ب «طعنة من الخلف» ليست حادثة معزولة بقدر ما تأتي في سياق إعادة رسم خطوط الصراع على سوريا، فالتحرش الروسي المتكرر بتركيا واتباع روسيا لسياسة الأرض المحروقة في المناطق التي لا تتواجد بها داعش دفع أنقرة إلى إسقاط الطائرة العسكرية الروسية التي يقال بأنها اخترقت الحدود مع تركيا. يشعر الرئيس بوتين بأن إسقاط طائرة سوخوي المتطورة إنما يشكل ضربة لكبريائه وبخاصة وأنه يحاول خلق انطباع بأن روسيا تتصرف في سوريا كما يحلو لها، وعليه فإن متطلبات الكبرياء الوطني عند بوتين تدفعه للتفكير ملياً في القيام برد كبير يؤثر على تركيا ويجعلها تدرك أن هناك ثمنا باهظا لمن يستهدف روسيا. وبهذا المعنى فإن الرئيس بوتين يشعر بأن قواته في سوريا فقدت قوة الردع وأن عملا ما يجب أن يحدث حتى تستعيد روسيا الردع المفقود، لكن ما هو العمل الذي يمكن لبوتين القيام به دون أن يثير حلف النيتو ولا يؤجج الوضع. هناك من سارع بالتحدث بأن أجواء الحرب الباردة بدأت تخيم من جديد، فالغرب الذي لا يريد التصعيد مع روسيا لن يقف مكتوف الأيدي أن تمادت روسيا في التحرش بتركيا أو إن قامت روسيا باستهداف تركيا مباشرة، فالروس قبل غيرهم يعرفون بأن ميثاق حلف النيتو ينص على أن جميع دول الحلف ستدافع عن تركيا في حالة وقوع حرب، كما أن التجربة التاريخية تظهر أن حلف النيتو لم يتأخر يوما عن الدفاع عن أي عضو فيه يتعرض لاعتداء، واللافت أن الدول الرئيسة في الحلف أكدت على حق تركيا في إسقاط الطائرة التي اخترقت حدودها. من المعروف أن الغرب كان قد قبل بالتدخل الروسي في سوريا لعل الروس يساعدون في القضاء على داعش، وفي الآونة الأخيرة كثرت الشكاوى الغربية المتعلقة باستهداف روسيا للمعارضة المعتدلة وإخفاقها في استهداف داعش، لكن الغرب لن يقبل على ما يبدو بأن تتعرض تركيا لتهديد روسي لأسباب تتعلق برغبة أعضاء الحلف في إبقاء قوة الردع لأسباب كثيرة ومن غير المتوقع أن يقبل الغرب بانتصار روسي على أحد أعضاء حلف النيتو. ومع ذلك، فعلى الأرجح أن روسيا سترد بشكل قوي لكن ليس مباشرة ضد تركيا وإنما ضد المصالح التركية في سوريا، فالقصف ضد مناطق التركمان سيأخذ شكلا أكثر ضراوة من ذي قبل وهو أمر قد لا تقبل به تركيا، وإذا استمرت روسيا في استهداف التركمان دون رد تركي فإن ذلك سيعتبر انحسارا تركيا ولن تتمكن حينها الاخيرة من إقامة منطقة آمنة تسعى لإقامتها منذ فترة. وإذا قامت تركيا برد على استهداف روسيا للتركمان فحينها قد تحدث مواجهة مباشرة مع روسيا التي تعمل على رفع قدراتها العسكرية في سوريا وبخاصة بعد حادثة إسقاط الطائرة العسكرية الروسية. وما من شك أن الحادثة هي بمثابة فرصة للتعرف على موقف حلف النيتو، فالقائمون عليه يعرفون أن الفشل في دعم تركيا يعني عمليا نهاية الحلف الذي تعوّل عليه الدول الغربية لخلق الردع في أي منطقة من مناطق العالم، والحق أن موسكو تعرف جيدا أنه لا قبل لها عسكريا بقوات النيتو وليس من مصلحتها أن تضع نفسها في اختبار عسير مع قوى عسكرية تفوقها بكثير، غير أن هناك من يرى بأن الحلف قد لا يساند تركيا إن كانت ساحة المواجهة هي سوريا نفسها، حينها سيفقد الحلف الكثير من مصداقيته وقدرته على خلق الردع. ما زال مبكرا الحكم على كيف ستؤول إليه الأمور، فالسيناريوهات مفتوحة مع أن هناك يقينا بدأ يتشكل ويتعلق بصعوبة التحالف بين الغرب وروسيا في سوريا لأن مصالح روسيا لم تتغير ومن غير المنتظر أن تتخلى روسيا في هذه اللحظة التاريخية المهمة عن الرئيس بشار، وعليه فإن هناك من يرى بأن الصفعة التي وجهتها أنقرة لموسكو هي مفيدة وتذكير لروسيا بأن هناك حدوداً لقوتها، فإسقاط الطائرة بهذا المعنى قد يقنع بوتين بأن هناك حاجة ماسة للتفكير بمخرج من الأزمة السورية وأن الحسم العسكري الذي يريد أن يحققه لن يفضي إلى نتائج تخدم توجهاته السياسية والمصلحية في سوريا. وبكلمة هناك ثلاثة سيناريوهات متوقعة: تجديد شكل من أشكال الحرب الباردة أو بحث روسيا عن حل سياسي يحفظ لها ماء الوجه، أو تراجع الغرب عن دعم تركيا وهنا ينتهي مبرر وجود حلف النيتو.