12 سبتمبر 2025

تسجيل

وما توفيقي إلا بالله

27 نوفمبر 2014

إن جميع الرسالات السماوية جاءت دعوتها متفقة على مبدأ واحد وأصل ثابت هو الدعوة إلى الإيمان بالله عز وجل الواحد القهار، ووضعت لذلك أسس وشرائع من عبادات ومعاملات تقوم عليها سعادة البشرية، فبهذا الإيمان تستطيع البشرية التي استخلفها الله تعالى في الأرض أن تعيش في سعادة وأمان ويتحقق لها الرخاء والطمأنينة، فالعبد المؤمن في حله وترحاله لا يستغني إطلاقا عن معية الله تعالى وهدايته ومدده، وهذا عين الفلاح الذي يقابله الخذلان والبوار جراء سخط العزيز الجبار على أهل الضلال، فالله جل شأنه إذا غضب على عبد لا يبالي به في أي واد هلك، وفي دعاء الهدي النبوي: (إنك إن تكلني إلى نفسي تكلني إلى ضعف وعورة وذنب وخطيئة وإني لا أثق إلا برحمتك فاغفر لي ذنوبي كلها إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت وتب علي إنك أنت التواب الرحيم) فإن بناء الرجال الذين تفخر بهم الأمة يقوم في حقيقته على الاهتمام ببناء النفس والعقل، فما قيمة جسد ليس في قلب صاحبه إيمان وعقيدة، وما قيمة صورة لا يحمل صاحبها مبادئ ولا قيما.فالتوفيق من أجل نعم رب العالمين لعباده المخلصين فهو خلق القدرة الداعية إلى الخير والطاعة، وحقيقة التوفيق أنه إمداد الله تعالى العبد بعونه وإعانته وتسديده وتيسير أموره وتسخير الأسباب المعينة عليها، وهو بيده سبحانه هو لا بيد من سواه وأعظمه التوفيق إلى الحق وقبوله، وإلى الخير والعمل به، وتلك نعمة لا يملكها إلا رب العباد، ومقلب القلوب والأبصار، والذي يحول بين المرء وقلبه.. يقول تعالى (وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب) هود : 88، فالله تعالى يوفق من يشاء ويخذل من يشاء، فإن إحساس المؤمن العميق الممتد من كتاب الله تعالى وسنة النبي صلى الله عليه وسلم يدرك بحق أن الجنة محفوفة بالمكاره، مما يتطلب منه همة عالية تتناسب مع ذلك المطلب العالي للتغلب على نفسه وملذاتها، مع تنقية تلك الهمم من كل شائبة تجره إلى الفتنة والمعصية، وإنما تفاوت الناس بالهِمم لا بالصور، والله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم، وحتى يصل الإنسان إلى هذه المرتبة فإن عليه أن يعمل على استقامة صلته بنفسه وبالله وبالناس وبالعالم الذي يعيش فيه، الأمر الذي يؤدي إلى ان يصبح بحق جديرا بان يكون وكيلا عن الله في الأرض، يقيم فيها موازين العدل، ويرسي دعائم الحق، ويزرع الخير الذي تعود ثمرته على الآخرين، فيحث بنور الإيمان حيث يفرح بتوفيق الله ويثق في وعده بالنجاة وأن رحمته واسعة مبسوطة على العباد، فيبادر العبد إلى الزيادة الإيمانية المستمرة بإقباله عليه جل شأنه.فالتوفيق الأعظم هو التبرؤ من حولك وقوتك فإن العبد لا حَول له ولا قوة إلا بالله، فإن نسي ذلك وتعلق بغير الله أو أُعجب بنفسه فرآها أهلا للنجاح على وجهِ الاستقلال، والتشبث بالأسباب وحدها، خاب وخسر في سعيه ويخشى أن يعجل الله عقوبته ليريه خيبته وعجزه قبل موته والعياذ بالله.ومن أعظم الأسباب الموصلة للتوفيق الدعاء، خاصة إذا اقترن بالتوكل على الله تعالى وبذل الوسائل التي تقرب من محبة الله تعالى، فالتوفيق أن لا يكلك الله إلى نفسك وأن الخذلان هو أن يخلي بينك وبين نفسك، لذا يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى: وهكذا نعلم أن هناك فرقا بين العمل وبين التوفيق في العمل، لأن جوارحك قد تنشغل بالعمل ولكن النية قد تكون غير خالصة عندئذ لا يأتي التوفيق من الله، أما إن أقبلت على العمل وفي نيتك أن يوفقك الله سبحانه لتؤدي هذا العمل بإخلاص، فستجد الله تعالى يصوب لك أي خطأ تقع فيه وستنجز العمل بإتقان وتشعر بجمال الإتقان وفي الجمال جلال، كما ورد في جميع الشرائع السماوية التي حثت على فعل الخير والبعد عن كل شر والعمل على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما يحقق للإنسان البقاء وللارض الإعمار والصلاح، وللبشرية الأمان.