14 سبتمبر 2025

تسجيل

صناديق للتأمينات الاجتماعية للوافدين في دول "التعاون"

27 نوفمبر 2011

تشكل صناديق التقاعد والتأمينات الاجتماعية مؤسسات استثمارية مهمة ومؤثرة وذلك إلى جانب كونها مؤسسات ضمان للمتقاعدين، مما يعطي هذه المؤسسات أبعادا اقتصادية واجتماعية ذات تأثير كبير في المجتمع. ومع تنامي الدور الاستثماري لمؤسسات التأمين الاجتماعي تعددت أشكال التأمينات التي تقدم للعاملين وفق درجاتهم الوظيفية ومعدلات رواتبهم وأجورهم وأماكن تواجدهم، فبعد أن كانت هذه التأمينات تقتصر على المواطنين أو المقيمين في البلد المعني، فإن تطور المعاملات المالية ومن ثم الاتصالات في العالم أدى إلى حدوث المزيد من التنوع والامتداد في مظلات التأمين الاجتماعي. من هنا نجد أن مؤسسات التأمينات الاجتماعية في البلدان الغربية تعتبر الأكثر تنوعا، إذ إنها تتيح للعاملين المحليين التسجيل في هذه المؤسسات بغض النظر عن جنسياتهم أو طبيعة عملهم، كما أن هناك مؤسسات أخرى تسمح بأن تشمل تغطيتها التأمينية عاملين من خارج بلدانها، وذلك بشرط الالتزام بتسديد مساهماتهم وفق اللوائح والأنظمة المعمول بها في بلدها الأم. أما في البلدان العربية، بما فيها دول مجلس التعاون الخليجي، فإن أنظمة التقاعد والتأمينات الاجتماعية تشمل المواطنين فقط، علما بأن المواطن الخليجي بإمكانه التسجيل في نظام التقاعد في بلده الأصلي في حالة التحاقه بالعمل في أي من دول المجلس الست، حيث يعد ذلك تقدما في العمل الخليجي المشترك. وبما أن الأيدي العاملة الأجنبية تشكل أغلبية من بين جميع العاملين في دول المجلس، فإنه يمكن الاستفادة من مليارات الدولارات والتي يمكن جمعها من خلال أنظمة التقاعد والتأمينات الاجتماعية في حالة توفر مثل هذه الأنظمة للعاملين الأجانب في دول مجلس التعاون الخليجي. ويبدو أن الدائرة الاقتصادية في دبي قد تنبهت إلى هذه الفرص الاستثمارية المهمة للغاية والتي يمكن أن تستغل في حالة وجود مؤسسة مختصة بالتأمينات الاجتماعية للعاملين الأجانب، مما حدا بها إلى دراسة إقامة مثل هذه المؤسسة والتي يمكن أن تفوق قدراتها صندوق التقاعد القائم حاليا، وذلك بسبب الإعداد المتوقع انضمامها للمؤسسة الجديدة، حيث يعمل في دول المجلس ما يقارب 23 مليون عامل أجنبي. ورغم هذه الأهمية، إلا أن الطبيعة الاستثمارية والإدارية لهذه المؤسسة لابد وأن تختلف تماما عن طبيعة صناديق التقاعد والتأمينات الاجتماعية القائمة حاليا والمعرضة لعجز، كما تشير إلى ذلك هذه المؤسسات نفسها، وذلك بسبب توجهاتها الاستثمارية المحافظة جدا والتي تقتصر حتى الآن على توظيف عائداتها في ودائع مصرفية لدى البنوك المحلية. والحقيقة أن معدلات الفائدة على هذه الودائع خاضعة لمعدلات الفائدة على الدولار والعملات المحلية والتي تشهد تقلبات شديدة تؤثر بصورة كبيرة في عوائد صناديق التقاعد والتأمينات الاجتماعية والتي من الصعب أن تستمر في الإيفاء بالتزاماتها من دون الدعم الحكومي. لذلك، فإن المؤسسات الجديدة في حالة قيامها عليها أن تعمل وفق المعايير العالمية باعتبارها مؤسسات استثمارية لها دورها المميز، وذلك إلى جانب دورها، كصناديق للضمان الاجتماعي، خصوصا وأنها سوف لن تعتمد على الدعم، بل عليها تنمية قدراتها المالية الذاتية. ولتحقيق ذلك، فإن على هذه الصناديق المقترح إقامتها وضع برنامج استثماري متنوع ويختلف تماما عن السياسة الاستثمارية المحدودة المعمول بها حاليا في صناديق التقاعد والتأمينات الاجتماعية، إذ إن وجود مثل هذه البرامج سوف يؤدي دورا مزدوجا، فمن جهة سيؤدي ذلك إلى تنمية موارد الصناديق بما يلبي متطلباتها في الوفاء بالتزاماتها تجاه المؤمن عليهم، ومن جهة أخرى، فإن استثمارات هذه المؤسسات ستساهم مساهمة فعالة في رفد السوق المحلية باستثمارات جديدة، مما سيساهم بدوره في تطوير العديد من القطاعات، وبالأخص أسواق المال المحلية "البورصات"، وذلك إلى جانب الاستثمارات الخارجية لهذه المؤسسات، وهو ما تفتقده الصناديق القائمة في الوقت الحاضر. وبالإضافة إلى البرامج الاستثمارية، فإنه من الضرورة بمكان وجود إدارة تنفيذية على مستوى عال من المهنية والخبرة في إدارة مؤسسات التقاعد والتأمينات الاجتماعية، إذ إن أي خلل في إدارة هذه الاستثمارات سوف تتعدى تداعياته الحدود المحلية لتشمل مؤمن عليهم في بلدان أخرى، وهذه مسألة في غاية الأهمية. وأخيرا ونظرا لارتباط عمل الصناديق المقترحة بتأمينات عاملين موزعين على الكثير من بلدان العالم، فإن هذه الصناديق ستكون تحت مراقبة العديد من المؤسسات العالمية، مما يتطلب وضع معايير واضحة في إدارتها وتوجهاتها الاستثمارية. وفي كل الأحوال وإذا ما برزت هذه المؤسسات للوجود في دول مجلس التعاون الخليجي وتم إدارتها بصورة صحيحة، فإنه سيكون لها مردودات إيجابية كبيرة على النمو الاقتصادي وستساهم في تنمية العديد من القطاعات الاقتصادية غير النفطية وبالتالي تنويع مصادر الدخل وتوفير الكثير من فرص العمل في دول المجلس.