27 سبتمبر 2025

تسجيل

دلالات السياسة البيئية والمُناخية في خطابات سمو الأمير في دور انعقاد مجلس الشورى

27 أكتوبر 2022

لا تكاد تخلو خطابات سمو الأمير في دور انعقاد مجلس الشورى من رسم خارطة الطريق للسياسة البيئية في دولة قطر. تحددت ملامح تلك السياسة حين تولى سموه مقاليد الحكم في عام 2013. ومنذ ذلك الحين، شهدت السياسة في خطابات سموه تطوراً مستمراً حتى أصبحت على ما هي عليه اليوم؛ وذلك تمهيداً لرسم السياسة التشريعية لأصحاب السعادة أعضاء مجلس الشورى في الفصل التشريعي. في هذا المقال يتم تناول أبرز ما جاء في خطابات سمو الأمير على مدار عقد من الزمان. «الدورة الـ 42» في خطابه الأول أمام مجلس الشورى، أثنى سموه على الطريقة المُثلى التي استثمر بها سمو الأمير الوالد الموارد الطبيعية، وقد أوضح في خطابه أن سياسته في إدارة الموارد الطبيعية ستتمثل في المحافظة عليها وإحضار البدائل. وأكد سموه أن السياسة التي سينتهجها ستكون نابعة من المسؤولية الاجتماعية لتحقيق التوازن البيئي والتنمية المستدامة، ونهى عن التبذير مستشهداً بموضع قرآني كريم: "وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً"- صدق الله العظيم، مستندًا بذلك على أحد مبادئ الشريعة الإسلامية في حماية البيئة وهو عدم الإسراف. «الدورة الـ 43» في سياق اقتصادي، ركز سموه بشكل رئيسي على أن العقلانية هي المبدأ الذي يجب انتهاجه أمام الاقتصاد المحلي الذي يعتمد على الموارد الطبيعية (المصادر الهيدروكربونية) وعرضته لتقلبات سوق الطاقة العالمي ما يجعله محفوفا بالمخاطر، وأن العقلانية هي مسألة حضارية يجب أن تُتبع اقتصادياً ومجتمعياً، مؤكداً سموه أن مبدأ العقلانية متمثلاً الترشيد وعدم الإسراف يجب أن يكون نمط الحياة السائد لنوعية الفرد الذي يسعى إلى إنشائه في قطر. لعل نتج عن هذا التوجيه – خلال الفصل التشريعي - صدور قانون رقم (20) لسنة 2015 بتعديل بعض أحكام القانون رقم (26) لسنة 2008 بشأن ترشيد استهلاك الكهرباء والماء والذي نَظمَ به المشرع القطري استخدام الكهرباء والماء وفق نمط ترشيدي معين. «الدورة الـ 44» سادت لغة الأرقام والتخطيط الإستراتيجي في خطاب سمو الأمير في الدورة الرابعة والأربعين فيما يتعلق بإدارة الموارد الطبيعية وحماية البيئة. من ناحية اقتصاديه، أشاد سموه بانخفاض مساهمة المصادر الهيدروكربونية من إجمالي الناتج المحلي بمعدل 1,5 % في دولة قطر، وزيادة مساهمة القطاعات الأخرى بنحو 11 %، نتيجة لسياسة التنوع الاقتصادي. أكد سموه أيضاً في الخطاب نفسه على ضرورة سد الثغرات في إطار التخطيط وعدم الاكتفاء فيما ترصده المؤشرات العالمية فقط، لا سيما في حماية البيئة وإستراتيجية التنمية الوطنية الأولى القائمة آنذاك، وضرورة التماس نتائج حقيقية نتاج هذه الخطط التنموية. جدير بالذكر أن الإستراتيجية الوطنية الأولى (2011 – 2016) تضمنت عددا من الأهداف البيئية والتي سعت إلى تحسين: جودة الهواء، جودة الماء، التغير المناخي، الحفاظ على التراث الطبيعي، تحسين الحوكمة والتعاون الإقليمي والدولي. «الدورة الـ 45» في عام 2016، كشف سموه أن على الرغم من التوسع في أنشطة قطاع الطاقة والتركيز على المشاريع الاستكشافيه في الداخل والخارج، فإن حماية البيئة على رأس أولويات اهتمام دولة قطر. وفي الخطاب نفسه، تم الإعلان عن افتتاح مشروع استرداد الغاز المتبخر أثناء الشحن في ناقلات الغاز المسال لتخفيف انبعاثات الكربون، معلناً سموه بأن هذا المشروع هو أكبر مشروع من نوعه في العالم. علاوة على ذلك، أعلن سموه عن تطوير مشروع لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية بقدرة 200 ميغاوات في المرحلة الأولى لتزيد بعد ذلك إلى 500 ميغاوات بعد ذلك. ما يمكن الاستدلال به من هذا التضمين، هو تهيئة للأرضية التشريعية في سبيل تسخيرها لوضع الأطر القانونية فيما يتعلق بحماية البيئة والطاقة المتجددة. «الدورة الـ 46» في خضم التحديات والأزمات الإقليمية التي واجهت دولة قطر في عام 2017، أكد سموه على التزام دولة قطر باستيفاء عقود تصدير الغاز للشعوب الشقيقة كمبدأ أخلاقي لا مناص منه. في الوقت ذاته، ظهرت تحديات جامحة على السطح تحتم على دولة قطر انتهاج سياسة استجابة سريعة. وفي هذا الانعقاد، أكد سموه على أهمية تطوير مشروعات الأمن الغذائي والمائي والتي يعتبر عدم وجودها بوفرة أحد تحديات البيئة القطرية. يمكن القول إنه قدمت تلك الفترة في الحقيقة فرصة رائعة لتطوير إمكانيات في التأقلم مع الظروف الطبيعية القاسية من خلال خلق حلول طبيعية مستدامة. تفاعلاً مع الظرف، شرعت دولة قطر بتطوير المناطق اللوجستية وطرح عدد من مشروعات الأمن الغذائي، فيما أعلن سموه عن تدشين محطة تحلية جديدة لتعزيز الأمن المائي في قطر في العام التالي. «الدورة الـ 47» أظهر خطاب سموه في عام 2018 مدى تقدم البلاد في التغلب على تحدي الأمن المائي. فبفضل الله تم تدشين المرحلة الأولى من مشروع تحلية المياه والذي زاد من مخزون المياه العذبة بنسبة 155 %. ويتغلب هذا المشروع على التحديات الطبيعية لدولة قطر والتي تتمثل في صعوبة الوصول إلى المياه العذبة، ولكن بفضل الله والسياسة الحكيمة ارتفعت الطاقة الإنتاجية لقطر بنحو 30 % و40 % للكهرباء والمياه المحلاة على حدٍّ سواء. إن التدابير الاستجابية المتخذة تُعمق مدى قدرة الإنسان القطري على التعايش مع بيئته، ومجدداً، مشاركة السلطة التشريعية بهذه الخطط تعني أن هناك مطلبا لاستكمال المنظومة التشريعية في السياق المذكور. «الدورة الـ 48» في عام 2019، وتدشيناً للجهود التي قامت بها قطر في السنوات السابقة، فقد تم إحراز تقدم تشريعي من خلال تغليف النجاحات السابقة بباكورة تشريعية تمثلت في صدور مرسوم بقانون بتنظيم المخزون من السلع الغذائية والإستراتيجية، وقانون بشأن دعم تنافسية المنتجات الوطنية ومكافحة الممارسات التجارية الضارة بها. يمثل هذا التقدم التشريعي تعزيزاً للجهود السابقة في المحافظة على الأمن الغذائي، ويعد استجابة للطبيعة المناخية التي تتصف بها دولة قطر، ووجود مثل هذه الأدوات التشريعية يعزز الحفاظ على المواد الغذائية واستدامتها. وفيما يتعلق بمجال حماية البيئة، فقد شارك سموه في دور الانعقاد نفسه آخر إنجازات القطاع البيئي الممتمثلة في: تطوير شبكة وطنية لرصد جودة الهواء، وصياغة برنامج لرصد البيئة البحرية، ووضع برامج للتصدي للطوارئ الناجمة عن التلوث الزيتي والمواد الخطرة والإشعاع. تمثل البرامج السابقة حدود الإطار الوطني لسياسة قطر البيئية، وتضع حدوداً للإطار التشريعي لقوانين حماية البيئة القطرية بشكل حصري. «الدورة الـ 49» ساد الخطاب في 2020 بشكل رئيسي حول الآثار الاقتصادية التي خلفتها جائحة (كوفيد- 19)، والتي كانت أحد المحاذير التي أثارها سمو الأمير في خطاباته السابقة والمرتبطة بالاقتصاد الأحادي المعتمد على الهيدروكربون. أعلن سموه في الخطاب ذاته عن الإجراءات التي اتُّخِذت لدعم القطاع الخاص بمبلغ 75 مليار ريال قطري، والمحافظة على سلامة الأسواق المالية والمصرفية والريال القطري، بالإضافة إلى المحافظة على سلامة الموازنة العامة للدولة. فيما شهد العالم إغلاقا تاما في هذه الفترة، تمثل هذه الإجراءات أحد السيناريوهات الاستجابية لعدم الاعتماد كلياً على المصادر الهيدروكربونية. «الدورة الـ 50» في عام 2021، عكس خطاب سمو الأمير مدى نجاح دولة قطر في الوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي في عدد من السلع الغذائية. هذا يعني أن الخطط الإستراتيجية وما رافقتها من تشريعات أثبتت نجاعتها. وفيما يتعلق بالتنويع الاقتصادي، أجريت تعديلات تشريعية لتسهيل المعاملات التجارية، وتعزيز المنافسة، وحماية المستهلك، وتشجيع الاستثمار الصناعي، وزيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة بالسماح للمستثمرين الأجانب بتملك 100 % من رأس مال بعض الشركات. بالرغم أن التشريعات السابقة لا تستهدف حماية البيئة بشكل صريح، إلا أنها داعمة لفكرة التنوع الاقتصادي والاستثمار في الاقتصاد المنخفض الكربون. علاوة على ذلك، علّل سموه سبب تغيير اسم "قطر للبترول" إلى "قطر للطاقة"، منوهًا بأن دولة قطر تتجه نحو التحول إلى الطاقة النظيفة والمتجددة من خلال زيادة إنتاج الغاز الطبيعي المسال، وتخفيض الانبعاثات الناجمة عن إنتاجه باستخدام أحدث التقنيات، والمساهمة في تطوير واستخدام الطاقة الشمسية. وبشكل صريح أكد سموه على مدى اهتمام دولة قطر بسن التشريعات اللازمة في سبيل حماية البيئة ومواجهة التغير المناخي. «الدورة الـ 51» جاء في خطاب سمو الأمير الأخير أمام مجلس الشورى في دور الانعقاد السنوي الحادي والخمسين الإعلان الرسمي عن افتتاح مشروع الخرسعة للطاقة الشمسية، والذي سيُغطي 10 % من الاستهلاك المحلي للكهرباء. جدير بالذكر أن إتمام المحطة هو وعد مُنجز جاء الإعلان عنه في عام 2016. علاوة على ذلك، أعلن سموه عن اعتماد البرنامج الوطني المتكامل لاستدامة الموارد وإعادة تدوير النفايات وإنشاء محطات لمعالجتها وتحويلها إلى طاقة، وهو مدلول آخر حول اتجاه دولة قطر إلى تنويع مزيج الطاقة والاستفادة من النفايات. وفي ختامه لهذا السياق، أشاد سموه بنتائج التدابير التي وضعتها قطر وجعلتها في مصاف الدول المتقدمة كأول دولة في العالم تحصل جميع مدنها على اعتماد من منظمة الصحة العالمية كمدن صحية موضحاً بذلك التآزر بين صحة الإنسان والجودة البيئية. وفي الختام، إن تتبع دلالات السياسة البيئية والمناخية في خطابات سمو الأمير داخلياً وخارجياً توضح للأفراد والمؤسسات المسؤولية والواجبات التي تتعين عليهم في حماية البيئة ومواجهة آثار التغير المناخي. أضحى تحليل الخطابات في قطر الطريقة المُثلى لترجمة الخطط الإستراتيجية، إذ يحرص سمو الأمير على تضمين دلالات يعمق فيها سموه مبدأ المشاركة العامة.