26 سبتمبر 2025
تسجيلفي الوقت الذي تتزايد به آثار التغير المُناخي على المستويين الإقليمي والدولي، نمت الدعاوى المُناخية (Climate litigations) كاتجاه اجتماعي وقانوني في العديد من الولايات القضائية حول العالم. من الطبيعي ألا يتبادر إلى الأذهان أن إحدى هذه الدول تقع في منطقة الشرق الأوسط، وذلك لأن التغير المُناخي يؤخذ في سياق مغاير عما تؤخذ به القضية في العالم الغربي. ليس بالضرورة أن تكون هذه الطريقة في التعاطي مع الدعاوى المُناخية صحيحة أو غير صحيحة، فهي ردة فعل لا أكثر. في مارس 2022، عُقد منتدى الدوحة والذي أعتدنا أنه يختار موضوعات تشغل الساحة الدولية – بشكل حصري – ويتم مناقشتها على أرض قطر، هنا في الدوحة. ولعل أحد المواضيع التي نُوقشت كان موضوع الدعاوى المُناخية. بالرغم أن الموضوع غير رائج في المنطقة، فهذا يُصادق على حكم أن منتدى الدوحة فضاء حر لا يعرف حدودا. في حلقة نقاشية أُديرت في شيراتون الدوحة – لم أحظَ بحضورها – تم مناقشة موضوع دعاوى المناخ لفرض وإنفاذ القوانين البيئية من خلال طرح ثلاثة أسئلة على المشاركين سيتم استقراؤها في هذا المقال: أولاً: كيف يمكن للسلطة القضائية ضمان التزام الحكومات والشركات بوعودها والامتثال للقوانين الدولية والمحلية المتعلقة بتغير المناخ؟ بشكل عام، في الوقت الحالي من الصعب أن تضمن السلطة القضائية التزام الحكومات والشركات بوعودها والامتثال للقوانين الدولية والمحلية المتعلقة بتغير المناخ أو حتى تتسع رقعتها حتى تُنظم هذه المسائل قضائياً. تكمن الصعوبة في عدم وجود – حتى الآن – آلية تقنية توفق بين الفهم والبت النهائي في القضايا البيئية والمناخية على حد سواء. أشدد هنا بأن عدم وجود هذه الآلية هي الفجوة المعرفية التي تقتضي فهماً لذاتية وطبيعة القوانين من ولاية قضائية إلى أخرى. ومع ذلك، فأنا أرى أن الأداة القانونية هي اليد العليا للتعاطي مع التغير المناخي، رغم أن قوانين البيئة حديثة النشأة. على سبيل المثال، يمكن رؤية قوة الأدوات القانونية من خلال حصر القوانين التي عُدلت في فترة الجائحة. أشير هنا إلى تعديل قانون الأمراض الانتقالية الذي كان بمثابة أداة الاستجابة لتنظيم شؤون الحجر الصحي والعقوبات التي تقع على المخالفين. في النطاق الداخلي، يمكن التنبؤ بأن الشركات المحلية ستمتثل للقانون الوطني أكثر من امتثالها للاتفاقيات الدولية أو الإقليمية. ولكن لا يمكننا أن ننكر حتى أن يتم بناء إطار قانوني لهذا العمل، يجب علينا نشر الثقافة القانونية للتعاطي مع المشاكل البيئية الوطنية. ثانياً: كيف يمكن للسلطة القضائية دعم الإجراءات المؤيدة للمناخ مع الحفاظ أيضاً على سيادة القانون بصورة قوية؟ فيما يتعلق بالقوانين البيئية وسيادة القانون، فإن سيادة القانون ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمصلحة الدولة. وهنا يكمن التحدي لبعض الدول التي يعتمد اقتصادها كُلياً على المصادر الهيدروكربونية. أيضاً يأتي هنا دور المشرع الحاذق في اختيار الإطار القانوني المناسب للامتثال للجهود العالمية بما يُراعي المصلحة الوطنية بشكل متوافق من الإضرار بالاقتصاد والمساهمة في انبعاثات الغازات الدفيئة. هذا يعني أن السلطة القضائية يجب أن تعمل للحفاظ على سيادة القانون الذي هو – بطبيعة الحال – وضع لتنظيم مجال ما. لا يمكن أن يتم التعاطي مع موضوع الدعاوى المناخية من دون النظر إلى موقف الولاية القضائية من الإعراب. بمعنى آخر، لا بد أن يُطرح سؤال يفيد بموقف الولاية القضائية وتصنيفها وفق اتفاقيات المناخ أو هدف الخفض أو الإستراتيجية التي تم إعلانها في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي؟ حتى لا يحدث تناقض أو تعارض، لا بد من النظر إلى مسألة الدعاوى المناخية من دون معزل عن مصالح الدولة الاقتصادية والقطاعات المعنية بالخفض. وبالتالي، فإن للسلطة القضائية دورا رئيسيا لدعم الإجراءات المؤيدة للمناخ وفقاً للظروف الوطنية. ثالثاً: كيف يمكن للسلطات القضائية معالجة القضايا الناشئة عن حوكمة الشركات، مثل "ظاهرة الغسل الأخضر"، لتشجيع وإنفاذ أجندة أكثر صداقة للمناخ؟ أصبحت ظاهرة الغسل الأخضر واضحة لا تُعطى بغربال، ولكن يجدر السؤال هنا عن مدى وعي جمهور تلك الولاية القضائية ومدى تحفظه أمام الغسل الأخضر والذي يخفي حقيقة بعض المنافع والفوائد التي تُحرز على حساب رفع شعار الاستدامة والحفاظ على البيئة؟ بالإضافة إلى ذلك، هذا الأمر يحدث كثيراً في المجتمعات التي يُحاسب بها نشطاء المناخ تلك الشركات بلا رحمة. ومع ذلك، فإن هناك حلولا سياسية مُتاحة. فحتى تنجح السلطة القضائية في معالجة قضايا الغسل الأخضر، لا بد أن يتم تعزيز دور الهيئات الرقابية وتعزيز الشفافية بين الهيئات. لا يمكن أن يحدث هذا الأمر من دون وجود سابقة قضائية حتى وإن لم تكن محلية، فمن المفيد الاطلاع على سياق مشابه في ولايات قضائية أخرى. في الختام، إن الدعاوى المناخية هو حقل متنامٍ، تحت التشييد، في الدول الغربية. ومع ذلك، لو لم تُثَر هذه الأسئلة في منتدى الدوحة بطريقة استشرافية، لما كان هذا المقال بين يديك عزيزي القارئ. تبنت دولة قطر العديد من القضايا التي تمثل قوة ناعمة، ولعل أبرز هذه القضايا هي الواسطة الدبلوماسية، دعم الحق في التعليم، والقضاء على البطالة. إن إعلاء صوت الفكرة حتى لو لم تكن في نطاق الاهتمام الإقليمي يأخذ إلى مدى استشرافي بعيد. وفي هذا المقام لا يسعنا إلا تقديم الشكر للإخوة القائمين على تنظيم منتدى الدوحة ممثلاً بسعادة السيدة لولوة بنت راشد الخاطر وفريقها المُحترف الذي قام بتطوير منتدى الدوحة على مدار سنوات وانتقاء الأجندة في إعلاء صوت الفكرة والنقاش الهادف.