16 سبتمبر 2025
تسجيلليس من قبيل الصدفة أن تكون شبكة الجزيرة سباقة لفتح صناديق الأسرار التي تحاول كل الحكومات إحكام إغلاقها باستماتة، للحيلولة دون تسرب ما فيها من فضائح دامية إلى العلن، مما يجعل من الجزيرة "قوة ضاربة" من العيار الثقيل في عالم الإعلام العربي والعالمي.وهذا ما فعلته حين كشفت أسرار "الإبادة المنسية" للمسلمين في دولة ميانمار "بورما سابقا"، وهي إبادة تجاهلها الإعلام العالمي وغض الطرف عنها، ولم يسلط عليها الأضواء التي تتناسب مع حجم الجريمة التي ترتكب بحق المسلمين الروهينغيا المنكوبين هناك.ربما يعتقد البعض أن العالم العربي فيه ما يكفي من المشاكل والمجازر والمآسي من العراق إلى سوريا ومصر وليبيا واليمن وبالطبع فلسطين التي تواجه احتلالا داميا شرسا، وبالتالي فإنه من الأجدى التركيز على "حالنا" قبل الذهاب إلى أقاصي الدنيا، وهذا صحيح، ولكن الصحيح أيضاً أن المسلمين في ميانمار هم جزء من الأمة الإسلامية، وهم قبل ذلك بشر يستحقون حياة كريمة من دون قتل وحرق وطرد وتعذيب، وهذا ما يبرر اهتمام الجزيرة بهذه المجزرة المنسية بحق المسلمين والإنسانية.ولا شك أن وحدة التحقيقات الاستقصائية قد أبدعت في إنتاج فيلم "الإبادة المميتة"، الذي كشفت فيه أدلة أن الإبادة تقودها حكومة ميانمار وأن حكومة الجنرالات حرضت على العنف الطائفي من أجل تحقيق مصالح سياسية، وأن عملاء الحكومة تورطوا في إثارة أعمال الشغب والكراهية المعادية للمسلمين. وأنها دفعت الأموال من أجل قتلهم.الادلة التي عرضتها الجزيرة دامغة ولا يرقى إليها الشك، ومنها وثيقة عسكرية رسمية استخدمت خطاب كراهية وادعاءات بأن "الميانماريين" يتعرضون لخطر "الابتلاع" من قبل المسلمين، كما استأجرت "بلطجية" لإضرام نار العنف الطائفي، ووثيقة أخرى سرية أكدت أن "أعمال شغب على مستوى البلد" أُرسلت عن قصد إلى البلدات المحلية لإثارة مخاوف المعادين للمسلمين.. كما عرض الفيلم أدلة دامغة تضمنها تقرير صادر عن كلية الحقوق في "جامعة يال" حول "ارتكاب إبادة جماعية في ميانمار". وتورط "رهبان بوذيين" في التحريض والعنف، بالإضافة إلى تقارير أخرى من جامعة لندن تؤكد أن "الإبادة الجماعية لا تزال جارية". وتقرير صادر عن المبادرة الدولية لجرائم الدول في جامعة الملكة ماري في لندن. يحمل عنوان "العد التنازلي للإفناء؛ الإبادة الجماعية في ميانمار" يؤكد أن الإبادة ممنهجة ومخططة.المسلمون في ميانمار يدفعون ثمن التحالف "العسكري – الديني البوذي" الذي يعمل على "تنظيف" البلاد منهم، باعتبارهم لا ينتمون إلى "العرق البورمي "الميانماري"، وتهميشهم وإقصائهم سياسيا وذبحهم "ماديا ومعنويا". وهو ما دفع المقرر السابق للأمم المتحدة في ميانمار، توماس كوينتانا، إلى القول "إن وزراء محددين في حكومة ميانمار الحالية، يجب أن يخضعوا لتحقيقات جنائية بتهمة ارتكاب إبادة جماعية. مشيراً بأصابع الاتهام إلى "وزير الشؤون المحلية، ووزير الهجرة، ورئيس ميانمار لأنه يعين هؤلاء الوزراء". لأن المجزرة كانت مخططة ومبرمجة ومقصودة.هذا العمل الكبير والمهم للجزيرة ليس صدفة، بل يأتي بعد 8 أشهر من العمل والتحقيق في محنة المسلمين الروهينغا، اعتمادا على وثائق حصلت عليها وحدة التحقيقات ومجموعة "حَصّن الحقوق". وهي جهود تصب في خانة الإعلام الهادف الذي يخدم القضايا الإنسانية، ويتفاعل مع "المناطق المظلمة" إعلاميا والتي يتم تجاهلها من قبل الإعلام العالمي، مما يسهم في تكريس الجزيرة واحدة من أهم المؤسسات الإعلامية في العالم.