26 أكتوبر 2025

تسجيل

الصراع بين الإخوان والنظام في الأردن

27 سبتمبر 2016

لم يكن الصراع بين الإخوان المسلمين والنظام الأردني صراعا وجوديا، فالخلاف بين "الإخوة الأعداء"، إذا جاز استخدام هذه المصطلح، كان أدنى من ذلك بكثير، فالإخوان المسلمون يتبنون النظام الهاشمي تماما، ولا يدعون إلى استبداله أو الإطاحة به، بل على العكس من ذلك فإن الإخوان المسلمين الأردنيين، وقفوا في صف النظام الملكي لحمايته من الانقلابات اليسارية والقومية في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، ونزلوا إلى الشوارع للتصدي لأعداء النظام الملكي، وهذا ما جعل منهم قطبا مرحبا به في الحياة السياسية والاجتماعية والدينية الأردنية. هذه العلاقة الحسنة بين الإخوان المسلمين والنظام الملكي الأردني، يعتبرها أحيانا بعض المطبات الخطيرة، ويتبادل الطرفان، النظام والإخوان، الرسائل عبر الشارع من خلال المظاهرات والمظاهرات المضادة، أو من خلال عمليات الاعتقال التي تطال كوادر الإخوان وقادتهم، وفصلهم من الوظائف وسحب جوازات السفر منهم، وغيرها من الإجراءات. لكن هذه المناكفة كانت تنكفئ، وتعود المياه إلى مجاريها، ويتم إطلاق سراح المعتقلين إعادة المفصولين إلى وظائفهم وإرجاع جوازات السفر لأصحابها، عندما يسود الوفاق بين الطرفين.بعد عقد كامل من إصرار النظام على قانون "الصوت الواحد"، قرر تغيير طريقة الانتخابات إلى القائمة المفتوحة، وهي طريقة تجعل من "سابع المستحيلات" لأي قوة سياسية أن تشكل أغلبية، أو حتى شبه أغلبية في البرلمان، لأن هذا القانون صمم بطريقة تشتت الأصوات، وتمنع تجمعها، وبطريقة حسابية، فردية وجماعية في آن واحد، فلا هو قانون يعتمد القائمة النسبية المغلقة، أو العد الجماعي للأصوات، ولا هو قانون يوزع الدوائر حسب عدد المقترعين، وهذا ما أظهرته النتائج التي أفرزتها الانتخابات البرلمانية التي أجريت الأسبوع الماضي.رغم هذه الحقائق، إلا أن الإخوان المسلمين قرروا خوض الانتخابات البرلمانية، واللعب مع النظام حسب "قواعد اللعبة" التي وضعها النظام نفسه، واعتمدوا "تكتيكات" تمكنوا من خلالها من حصد 15 مقعدا من أصل 130 هي مقاعد مجلس النواب، وبنسبة تشكل 12% من مجمل المقاعد، ولعبوا ببراعة على مقاعد "الأقليات" التي خصصت للنساء والشيشان والشركس والمسيحيين، وطرحوا عددًا كبيرًا من القوائم الحاصدة للأصوات التي تمكنهم من حصد أكبر عدد من المقاعد، وفي ضوء أنهم كانوا يسعون للفوز بنحو 26 مقعدا، فإن حصولهم على 15 مقعدا، يعني أنهم حققوا 58% من المقاعد المستهدفة فقط، وهي نسبة قليلة نظرا لقوة الإخوان المسلمين في الشارع.ولكن لماذا قرر الإخوان المسلمون المشاركة في الانتخابات التشريعية، رغم معرفتهم المسبقة بظروف هذه الانتخابات والعقبات والعراقيل التي تقف في وجوهم؟لقد أراد الإخوان المسلمون الخروج من "عنق الزجاجة"، ومغادرة مربع الأزمات الذين وجدوا أنفسهم فيه، فهم محاصرون حكوميا بشكل كبير، وتعرضوا إلى انشقاق كبير، هو الأول من نوعه، بمباركة حكومية، وانقسم الإخوان بين جماعة الإخوان المسلمين التاريخية، وبين جمعية الإخوان المسلمين التي أسسها المنشقون عن الجماعة، ومنهم قيادات وازنة على رأسها، المراقب العام السابق للإخوان المسلمين عبد المجيد ذنبيات، إضافة إلى المعتزلين "للفتنة" بين الطرفين.وهذا ما جعل من هذه الانتخابات "هدية" ثمينة من أجل، النهوض من بين الركام، وتكريس التواجد في المشهد السياسي، واستعادة الزخم الكبير للشرعية، وهكذا التقت مصلحة النظام والإخوان المسلمين على "التعايش"، بعيدا عن الحب والكراهية، بل على قاعدة "تبادل المنافع" بطريقة براغماتية، وهو ما أتاح المجال أمام الإخوان المسلمين لتوفير ممر آمن إلى صدارة المشهد السياسي، وفي الوقت نفسه أتاح المجال للنظام لتسويق "الإصلاحات السياسية الجزئية" التي ينفذها."اللعبة" بين النظام والإخوان لم تنته بعد، فالإخوان المسلمون سيشكلون أقوى كتلة سياسية متماسكة، داخل البرلمان، رغم قلة عددهم، ما يضعهم في قلب المشهد السياسي الأردني خلال الفترة المقبلة.