15 سبتمبر 2025

تسجيل

مصيبة سد النهضة القادمة في الطريق!

27 سبتمبر 2015

للوهلة الأولى زعم المسؤولون السودانيون المختصون أن سد النهضة الإثيوبي سوف يرفد السودان بمزايا ومنافع كبيرة أقلها الكهرباء الرخيصة. كان على رأس أصحاب هذا الرأي رئيس الجمهورية الجنرال البشير شخصيا. موقف الجنرال ذاك كان نقيضا للموقف المصري الرسمي الذي ظل محوره الأساسي هو أن السد يشكل خطرا ماحقا على البلدين إذا انهار السد في المستقبل. وأن السودان سيتعرض للخطر النهائي غير القابل للتلافي.. حكومة السودان تجاهلت هذه الملاحظات المصرية الخطيرة. واعتبرت التنازع المصري الإثيوبي أنه شأن خاص بالبلدين ولا ناقة لها ولا جمل فيه. وأعلنت التزام الحياد بين الطرفين أو التوسط بينهما. الموقف السوداني أغضب الشعب والإعلام المصري على حد سواء. ولكن الإعلام المصري تعدى كل حدود، وكال انتقادات حادة للسودان خرجت عن الأسلوب الدبلوماسي المألوف في تعبير الدول والحكومات عن آرائها وخلافاتها. وانتهج الإعلام المصري أسلوب الشتائم العنصرية والرسوم الكاريكاتيرية المهينة التي طالت حتى رئيس الجمهورية.ولوحظ أن وزارتي الخارجية والإعلام السودانيتين انتهجتا أسلوبا مهادنا بصورة خاصة في تصديهما لشطط الإعلام المصري حين قالتا إن السد الإثيوبي لا يشكل أي ضرر للسودان. وأن السودان حريص كذلك على أن لا تتضرر شقيقته الكبرى مصر من قيام السد الإثيوبي. لكن الموقف السوداني الرزين ذاك لم يشف غليل الإعلام المصري المنفلت الذي استمر في هجومه وتجريحه لمشاعر السودانيين وإسهابه في التهكم عليهم. وزعم أن السودان يريد أن يلوي يد مصر في موضوع السد الإثيوبي حتى تتخلى مصر له عن مثلث حلايب وشلاتين وأبورماد. وزير الإعلام السوداني طلب من مصر أن تكبح جماح إعلامها حتى لا يتمادى أكثر في استفزاز مشاعر السودانيين. تصريح وزير الإعلام السوداني كان أول إشارة على نفاد صبر السودان إزاء حملة الإعلام المصري ضده في حين رأى الكثير من السودانيين أن حكومتهم وقفت الموقف الصحيح من قضية السد الإثيوبي، إلا أنهم استهجنوا سكوتها على استفزازات الإعلام المصري لإدراكهم أنه إعلام موجه ولا ينطق إلا عن الهوى الحكومي الرسمي وإن لم يقلها صراحة.الآن حدث تطور سوداني لافت إزاء مشروع السد الإثيوبي تقوده شخصية علمية ذات اعتبار تمثلت في شخص وزير الري السوداني السابق المهندس كمال علي الذي نشر معلومات سرية عن اعتراضات قوية ضد موافقة حكومة السودان ابتداء على قيام سد النهضة بطاقة تخزينية تبلغ 74 مليار متر، في حين أن دراسة أمريكية أكثر كفاءة أوصت أن لا تزيد الطاقة التخزينية للسد عن 11 مليار متر مكعب. وقال الوزير المهندس إنه كان قد قدم اعتراضاته تلك في شكل مذكرات مكتوبة لرئيس الجمهورية ونوابه في حينه.واعتبر موافقة السودان على قيام السد بالشكل المقترح كارثة قومية سيتضرر منها البلدان في توافق ملفت مع تحذيرات الخبراء المصريين الذين توقعوا أن يختفي السودان من على ظهر البسيطة إذا انهار السد في يوم من الأيام.إفادات وزير الري السوداني السابق يبدو أنها لمست أوتارا سودانية حساسة وحركت اهتمام جهات علمية ذات جدارة ودعتها لكي تنحاز إلى موقف الوزير المهندس مما قد يشي بأن موافقة السودان على قيام السد بشكله المقترح الحالي كان عملا متسرعا وأن هذه الموافقة قد تتعرض إلى مشاكل تشريعية في البرلمان السوداني. موقف وزير الري السابق المصادم للموقف السوداني الرسمي سيبهج الجانب المصري لا شك. ويغضب الجانب الإثيوبي.صحيح أن أي حراك ضد السد الإثيوبي الآن ينطبق عليه القول الشهير: الجس بعد الذبح. لقد تأخر الإعلان عن هذه المخاوف الجدية كثيرا. مع ذلك ستولد هذه المخاوف الجدية مطبا سياسيا كبيرا للحكومة السودانية. وستفتح كوة جديدة للحكومة المصرية التي ظلت تعمل ضد قيام السد بشكله المقترح من تحت الطاولة وبقوة شديدة. يتمثل المطب السوداني في حقيقة أن إثيوبيا قد قطعت شوطا بعيدا في التنفيذ يصعب معه التراجع.