12 سبتمبر 2025
تسجيللم تفض ما أطلق عليها مليونية الرابع والعشرين من أغسطس في مصر يوم الجمعة الفائت إلا عن فشل ذريع لمنظميها الذين يتعين عليهم أن يتيقنوا أنهم لا يعبرون عن الشعب المصري الذي يمتلك حسا وطنيا رفيع المستوى غير قادر على الاختراق من قبل فئات وعناصر مجردة من هذا الحس. لقد راقبت المشاركين في هذه المليونية الوهمية العبثية ورصدت وجوها غير مؤمنة بقضية وإن زعمت حرصها ودفاعها عن ثورة الخامس والعشرين من يناير. كانت قسمات هذه الوجوه تنبئ عن حقد متراكم على ثورة الشعب المصري وطرحت شعارات وإن بدا بعضها ثوريا اتسمت بالافتقار عن روح هذا الشعب الأصيل الغني في قناعاته وتوجهاته ورفضه لكل غث لا يسمن عن جوع بضعة مئات من انتماءات سياسية باهتة الحضور والفعالية في المشهد المصري شاركت في تظاهرات هنا أو هناك ثم امتدت إلى قصر رئاسة الجمهورية وإعلانها الاعتصام في محيط القصر وتهديد بقطع الطرق حتى تتحقق مطالبها الكرتونية التي تعكس عقلية أطفال متأثرين بأفلام وبرامج الكرتون بمحطاتنا العربية وأظن أن محاولة النائب السابق محمد حامد لتزعم ما أطلق عليه عبثا ثورة الرابع والعشرين من أغسطس لم تكن إلا من قبيل امتطاء موجة زعامة فقدها بعد تحولاته السياسية المتعددة في أٌقل من عام وسبعة أشهر والتي انتقل فيها من خندق الثورة إلى خندق حزب المصريين الأحرار والذي سرعان ما استقال منه بعد أشهر في البرلمان المنتخب وقرر تشكيل حزب خاص ليحقق رغبته الدفينة في الرئاسة والزعامة. ولأن هذا الحزب لم يلب نهمه وسعيه الدؤوب ليبقى في القمة. فإنه قرر الدفع بهذه التظاهرات وللأسف لم تحقق له سوى المزيد من الانزواء والبقاء في خانة الصمت ولاشك أن سقوطه المدوي تحقق عندما قرر الانحياز لمرشح الثورة المضادة في جولة الإعادة لانتخابات رئاسة الجمهورية الفريق أحمد شفيق فبانت حقيقته وتجلى جوهره. ومن البديهي القول أنه لم تكن ثمة جدوى من إطلاق هذه التظاهرات التي اتسمت بالهلامية والافتقار إلى المنطقية والواقعية وإن كنت مؤمنا بحق كل مواطن مصري أو مجموعة سياسية في أن تعبر عن رأيها ومواقفها عبر أشكال التظاهر السلمي. فهي قد جاءت في غير أوان أعلنت مخاصمتها لرئيس جمهورية منتخب من قبل الشعب عبر صناديق الاقتراع السري المباشر ووفق محددات النزاهة والشفافية ولم يصعد إلى السلطة عبر آليات الاستبداد المعروفة في عالمنا العربي هذا أولا. أما ثانيا فإنه لم يمض على وجود الرئيس في منصبه سوى شهرين أو أكثر وهو ما لا يشكل مجالا للتقييم المنصف لأدائه خاصة أنه قضى الشهر الأول نصف رئيس في ظل وجود نوع من ازدواجية السلطة مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة فضلا عن أنه لم يشكل حكومته ويحيط نفسه بمن يسمون رجال الرئيس إلا قبل أقل من شهر. وبالتالي فإنه لم يبدأ العمل الفعلي لبلورة برنامجه الذي انتخب على أساسه إلا قبل أيام فكيف يمكن محاسبته وتقييم أدائه خلال هذه الفترة القصيرة نسبيا؟ ومع ذلك إن شئنا الإنصاف فإنه أبدى إِشارات إيجابية على قدرته على التعاطي بفعالية مع المعضلات الرئيسية في الواقع المصري بيد أن ذلك سيتطلب متسعا من الوقت قد يطول ويقفز على أشواق المصريين في التخفيف من حدة هذه المعضلات على الأقل في المدى المنظور والتي انتظروا أن يتحقق منها ولو نزر يسير في أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير والتي طرحت شعارات وأهدافا تتماس مباشرة مع هذه الأشواق. أما فيما يتصل بفكرة إسقاط حكم جماعة "الإخوان المسلمون " التي رفعها العشرات من المشاركين في التظاهرات الهشة والضعيفة والتي لم يشعر بها أحد إلا عبر تغطية إعلامية من التلفزيون الرسمي وبعض القنوات فهي من قبيل الحق الذي يراد به باطل فهذه الجماعة لا تحكم مصر رغم وجود رئيس جمهورية ينتمي إليها ولكنها تمثل عبر ذراعها السياسية – حزب الحرية والعدالة – جزءا من المنظومة السياسية التي تشكلت بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير وقد يكون صحيحا القول أنها حققت أغلبية في الانتخابات البرلمانية الماضية إلى جانب الجماعات السلفية لكنها رغم ذلك لم تشكل حكومة بمفردها ولم تسمح حكومة الدكتور كمال الجنزوري السابقة لقرارات أغلبيتها البرلمانية بالتطبيق في ظل ما كان سائدا من احتقان سياسي بين الطرفين نتيجة تقديرات موقف خاطئة منهما في تقديري مما عطل الكثير من التحولات الإيجابية التي كان يمكن أن تشهدها مصر بعد انتخاب أول برلمان يمثل الشعب على نحو حقيقي وصحيح خلال الأربعين عاما المنصرمة. وإذا توقفنا عند الحكومة التي شكلها الرئيس محمد مرسي برئاسة الدكتور هشام قنديل فإنها لا تضم سوى وزيرين من حزب الحرية والعدالة وبعض الوزراء المتعاطفين مع التيار الإسلامي بينما أغلبية وزرائها ينتمون إلى قوى سياسية متعددة ومن ثم فإنه لا يمكن القول من حيث المنهجية العلمية بسيطرة "الإخوان المسلمون" وحزبها على الحكم. ولكن قد يلفت قائل إلى أن هذه السيطرة أو ما يطلق عليه البعض الاستحواذ الإخوان أو أخونة مؤسسات الدولة لا يتم على نحو علني وإنما وفق منهجية متدرجة وسياسة الخطوة خطوة ودون ضجيج. غير أن الحقائق تؤكد أن الدولة المصرية عصية على اختراق جماعة أو قوى سياسية بعينها بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير والتي كسرت حاجز الخوف لدى المصريين وبالتالي فإنهم عندما يرصدون أي محاولات للهيمنة من قبل هذه الجماعة أو تلك. سرعان ما يرفضونها ويتصدون لها بل ويجهضونها دونما تردد. والقارئ لتاريخ مصر يمكنه أن يرصد نفور شعبها من أي محاولات من هذا القبيل. بل إنه تصدى لمحاولات القوى الاستعمارية على مدى عدة قرون لفرض ثقافاتها ولغاتها وأنماط حياتها وإن لم يرفض التفاعل مع توجهاتها الحضارية الإيجابية التي استفاد منها في مشاريع نهوضه محافظا على ثوابته الحضارية العربية الإسلامية. وأحسب أن دوائر الثورة المضادة تسعى بقصد مع سبق الإصرار إلى إعادة إنتاج فزاعات النظام السابق بخصوص الإخوان المسلمون والتي عمل على تسويقها داخليا وخارجيا لتأمين استمرارية حكمه وصيرورة مشروع التوريث لنجل رأس النظام وهو أمر لم يعد يتسق مع المعادلات التي فرضتها ثورة الخامس والعشرين من يناير وفي صدارتها أن الجماعة بذراعها السياسية المتمثل في حزب الحرية والعدالة باتت قوى سياسية علنية مثلها مثل القوى والكتل الأخرى لا تشكل خطرا على الدولة المصرية ما دامت ملتزمة بثوابتها وبقواعد اللعبة الديمقراطية ولم تلجأ إلى العمل السري ولم تخترق النظم أو القوانين وبوسعها أن تصعد إلى صدارة المشهد عبر آلية صناديق الاقتراع والتي تهيئ لها إمكانية الهبوط أيضاً إذا لم تتجاوب المطالب الجماهيرية وتسعى جاهدة إلى حل معضلات الناس المتصاعدة. ولاشك أن الجماعة وحزبها مطالبان بألا يعيدا إنتاج نموذج الحزب الوطني السابق ولجنة السياسات سواء في الأداء السياسي أو العمل التنفيذي وهو ما يستدعي تقديم تطمينات عملية وليست كلامية فقط على هذا الصعيد ويستوجب في الآن ذاته تقليص مساحة الهواجس بالذات فيما يتعلق بالمواطنين المسيحيين والمرأة المصرية وكلاهما يشعر أنه ما زال مهمشا وبعيدا عن المشاركة الحقيقية في القرار الوطني. وبات من الضروري الآن أن يسارع الرئيس مرسي بمخاطبة الشعب المصري ليعيد التأكيد على قواعد الحكم التي أعلنها في خطابه عقب أدائه اليمين الدستورية والتي تنهض على بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة من دون إقصاء وتكريس مبدأ المواطنة والمساواة بين الجميع في الحقوق والواجبات واحترام حرية التعبير والإعلام وفق ما طرحته وثيقة الأزهر التي أقرتها مختلف القوى السياسية المصرية قبل بضعة أشهر لتعكس التوافق على هذه الخيارات الضرورية ليقظة وصحوة المحروسة. السطر الأخير: لمن تشرق شمس القصيدة؟ لك أيتها الأيقونة الزاخرة بأسرار عشقي المدهشة في توهج حقولها الممتدة بعيني القابضة على أوراق ربيعي المختفية بين حنايا روحي لك السلامة ولي قلبك