20 سبتمبر 2025

تسجيل

هل يُعزل ترامب؟

27 أغسطس 2018

- من غير الوارد أن تتجه الأحداث سريعاً نحو عزل الرئيس الأمريكي - واشنطن ستحتاج لسنوات عدة حتى تستعيد عافيتها المؤسسية - ترمب شخصية نرجسية وانفعالية يتوقع أن تزداد تصريحاته خشونة وتقل العقلانية في قراراته - حرب هنا أو هناك بإمكانها توفير غطاء لترمب - الرئيس الأمريكي اليوم في وضع لا يحسد عليه في مقابلة تلفزيونية أجريت معه بعد إدانة محاميه الخاص ومدير حملته الانتخابية السابق علق الرئيس الأمريكي بأنه لا ينبغي لشخص يقوم بعمل عظيم أن يلاحق بهذا الشكل وأنه لو عزل فستنهار الأسواق وسيصبح الكل فقيراً، في اليوم التالي قال محاميه وعمدة نيويورك السابق روديو جولياني إن عزل ترمب سيؤدي لأن يثور الشعب، هذه التصريحات تبدو وكأنها صادرة من أركان نظام شمولي على وشك أن يسقط، وتذكرنا كعرب بشكل كبير بتصريحات القادة المخلوعين إبان الربيع العربي، وفي حقيقة الأمر فلو كان الأمر لترمب لحول واشنطن إلى عاصمة عربية، فكما قال لي باحث أمريكي بعد تولي ترمب الرئاسة بأشهر قليلة "طموح ترمب هو أن يصبح ملكاً عربياً". جاءت تصريحات ترمب ومحاميه تلك بعد إصدار محكمتين في الولايات المتحدة أحكامهما في قضيتين ناتجتين عن تحقيقات المحقق الخاص ميولر، بالنسبة لمحامي ترمب الخاص قرر الاعتراف بالذنب أمام المحكمة بعد إبرام صفقة مع الادعاء يقلل فيها من فترة سجنه وتضمنت الصفقة ضمان تعاونه بتقديم معلومات حول ترمب متصلة بالقضية، مانفورت مدير حملة ترمب السابق لم يحالفه الحظ بإبرام صفقة مماثلة وهو يواجه الآن أحكاماً قد تصل إلى ثمانين عاماً خلف القضبان، ولكن ما تأثير كل ذلك على ترمب؟ من غير الوارد أن تتجه الأحداث سريعاً نحو عزل ترمب لسببين، الأول هو أن مجلس الشيوخ هو من يتخذ القرار النهائي بعزل الرئيس ولا يتم ذلك إلا بموافقة ثلثي الأعضاء وهذا غير وارد في ظل التشكيلة الحالية أو المرتقبة للمجلس، السبب الثاني هو أن السنة بعد القادمة هي سنة انتخابات عامة وبالتالي أمام التحقيقات عام واحد وإلا فإن الكونجرس لن يشرع في إجراءات العزل في سنة انتخابية، ولكن ذلك لا يعني أن ترمب سيتجاوز هذه العاصفة بسلام. الأضرار الأساسية المتوقعة على الإدارة الأمريكية يمكن تلخيصها في ثلاثة أمور، أولاً: خسارة مجلس النواب لصالح الديمقراطيين بالإضافة للعديد من المواقع المنتخبة في المجالس المحلية وحكام الولايات وهو ما كان متوقعاً ولكن تطورات تحقيقات ميولر ستفاقم الخسارة، هذا الأمر سيصعب بشكل كبير على الرئيس الأمريكي تمرير أجندته الانتخابية التي ستواجه مصيراً مشابهاً لأجندة أوباما في فترته الثانية حيث عطل الكونجرس معظم القوانين القادمة من البيت الأبيض بما فيها قانون الميزانية ما تسبب في إقفال الحكومية الفيدرالية مرتين، الأمر الثاني هو الهجرة الجماعية المتوقعة من فريقه في حال ضاق الخناق، فبين من يثبت تورطهم في التحقيقات وبين من لا يريد أن يرتبط اسمه بالإدارة مستقبلاً ستختفي الكفاءات سريعاً من حوله وإن كان ترمب يعاني نزيفاً من الكفاءات منذ مدة، الأمر الثالث هو انشغال الإدارة أكثر وأكثر بالتحقيقات على حساب العمل الحقيقي والمشاريع "الطموحة" لترمب، ومع شخصية ترمب النرجسية والانفعالية يتوقع أن تزداد تصريحاته خشونة وتقل العقلانية في قراراته ما سيعني فوضى شاملة في البيت الأبيض. الكثير من المراقبين يستبعدون أن يقدم ترمب استقالته كنتيجة لتضييق الخناق عليه ويتوقعون أن يقاوم حتى نهاية فترته هذه، مما يعني أن الشرخ الذي سينتج في الحالة الأمريكية لن يكون بسيطاً، واشنطن ستحتاج لسنوات عدة حتى تستعيد عافيتها المؤسسية بعد ترمب هذا إن تمكنت من ذلك، ولكن السياسة حقل المفاجآت، لا يستبعد أن يحدث كما حدث مع بوش الابن حين وفرت له أحداث سبتمبر غطاء لتمرير مشاريع غير مدروسة ما زالت الولايات المتحدة تدفع ثمنها في أفغانستان والعراق، حرب هنا أو هناك بإمكانها توفير غطاء مشابه لترمب، ولكن ما لا شك فيه هو أن الرئيس الأمريكي اليوم في وضع لا يحسد عليه.