16 أكتوبر 2025
تسجيلإن كل قانون في الكون يقبل التعديل والتغيير للأفضل إذا كانت مفسدته أكبر من نفعه، ومن هذه القوانين قانون عقوبة الشيكات الذي عفا عليه الزمن ولم يتغير للأفضل، بل عانى منه طرف على حساب طرف فكان قاسياً على الجاني بحيث يتم إيقافه على شيك واحد قد يكون إيجاراً أو قسط بيت، فيودع السجن ليسدد أو يقضي العقوبة بحسب قرار القاضي ربما شهراً أو سنة أو ثلاث سنوات، وبعدها تبدأ المعاناة مع الديّانة فتأتيه شيكات أخرى ربما لبنك أو لمكتب أو لقيمة بضاعة ثم تتهاوى عليه الشيكات من كل حدب وصوب، ويترتب عليه ضياع أسرته وتشتت أولاده وقد عاثت به الهموم والغموم حتى الثمالة، ودخل أولاده في حالات نفسية وعقد مجتمعية، وفي بعض الحالات وصلت النهاية للطلاق، وهذه رسالة من زوجة إلى زوجها المسجون تقول فيها : لم أتمتع معك في حياتنا الزوجية إلا فترة من الزمن حتى غيبوك في غياهب السجون، كم سنة غبت عني لا أدرى ماذا فعل الله بك ولا أدري أحي فترجى أم ميت فتنعى، ليتك ترى حالي وحال أولادك، ليتك ترى حال صغارك لست أدري هل أخون أمانة الله وأمانتك... وأنا في ذمتك وعهدك، أم أطلب الطلاق ويضيع أولادك ... " إلى آخر رسالتها من كتاب... إلى الدائنين والمدينين. إخوتي إن الأمر خطير وهؤلاء جزء من المجتمع ينهار ويذوي أمامنا ونحن نرى الأولاد يكبرون بلا أب، وقد يحيد بعض الأولاد عن الطريق، فتتلقاه أيدي الضلاّل والجهّال ...، فالحاجة ملعونة والفاقة قد تكسر حواجز المجتمع وتفجر الضياع والتشرد والإجرام. وهذه صرخة مجتمع إلى أصحاب القرار، يا سادة إنهم الغارمون القابعون في السجون أقيلوا عثراتهم وتجاوزوا عن زلاتهم وأمسكوا بأيديهم فإنهم جزء من اقتصادنا، إنه الغارم يا كرام تأثرت مشاريعه بأزمات العالم وأصبح السوق يتحكم به الدولار انخفاضا وارتفاعا، بعضهم تسلّطت عليه دول الحصار ليحاصر في رزقه ومصدر عيشه فتأثرت تجارته وغارت موارده، توقف كثير من مشاريعه وتباطأت استيراداته من الخارج، حاول جاهداً سد الثغرة لكن اتسع الخرق على الراقع ولم يستطع فعل شيء وسط سوق مبهم ونظام شيكات متشدد لا يرحم أحدا، تكاثرت عليه الشيكات من كل جهة و رمي في السجن وخسر تجارته ومكتبه واستُغل مكانه. أيها القوم إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خفف حد السرقة لمّا كثرت بسبب ما أصاب المدينة من قحط وفقر والناس في حاجة وعوز. آن الأوان للالتفات إلى سجناء الدين، فلا نمر بمكان إلا ونجد منهم أخ أو ابن عم أو صديق أو جارٍ يكتوي بنارهم، فحلوا مشاكلهم فقد يكون فرجهم بتغيير نص مادة لم تتغير رغم تغير الظرف والمكان، فجزء من الحل قد يكمن بتغيير أحكام الشيكات الجنائية إلى أحكام مدنية تتيح للغارم الخروج من السجن ليسدد ديونه ويزاول كسب رزقه وممارسة عمله. وأنتم أيها الناس كفاكم نظرة دونية للغارمين على أنهم مجرمين بسوء نية وخداع واحتيال فإن نسبة كبيرة منهم أبرياء ونواياهم حسنة لكن التجارة خداعة والسوق غدار فارفعوا نظرة الدونية من عيونكم. وأنتم يا أصحاب الجمعيات الخيرية افتحوا ملفات الغارمين واقضوا عنهم ديونهم فإنه قد طال بهم المقام في الحبس، وأخيراً هذه رسالة وضعتها بين أيديكم كمشرط الطبيب على جرح المريض بقصد الشفاء لا بقصد الإيلام والتعذيب.