13 سبتمبر 2025
تسجيلالجمعية العمومية للحوار الوطني السوداني بعد عامين من الانتظار لم يكن لديها ما تقوله للمحتشدين في القاعة البهيجة غير تأكيد العزم على مواصلة الاتصالات مع الرافضين للحوار بصورته الراهنة، عسى ولعل، أن تحدث معجزة سياسية في زمن نضبت فيه معين المعجزات. في يوم الاجتماع الكبير جددت الأحزاب ذات الوزن الجماهيري رفضها لتدابير مؤتمر الحوار بصورتها البراهنة وغادرت عدد منها إلى أديس أبابا لتجتمع بالآلية الإفريقية رفيعة المستوى. ومن هي هذه الأحزاب الرافضة: هي أحزاب (الأمة القومي) الحزب الجماهيري الأكبر في السودان، حسب آخر انتخابات ديمقراطية، ومعه المجموعات المسلحة المشكلة للجبهة الثورية، ومعهم أحزاب مهمة أخرى لم تستطع مغادرة السودان واللحاق باجتماعات الرافضين في أديس أبابا لأسباب معروفة، منها الحزب الشيوعي المتجذر شعبيا وحزب المؤتمر السوداني الصاعد كالشهب المضيئة في هذه الأيام. وهو يحرك المظاهرات الصاخبة في الأسواق وفي معية هؤلاء كل الأحزاب اليسارية التي تعرف من أين تؤكل الكتف عندما يجد الجد. غياب المصداقية في طرح الحكومة كان وما زال هو العقبة التي صعب على الحكومة تجاوزها، في اجتماع الجمعية العمومية في يوم الخميس العشرين من أغسطس تحدث الرئيس عن خلو سجونه من أي سجين سياسي، وعن كفالة حرية الصحافة والصحفيين، وكانت المفاجأة أن رد عليه خاله وشقيق والدته الأستاذ الطيب مصطفى نافيا صحة ما زعمه ابن شقيقته الرئيس في حديثه عن حرية الصحافة وخلو السجون وذكره بأن الصحف ما زالت تصادر والرقابة القبلية والبعدية عليها ما زالت مستمرة وسط وجوم الحاضرين وحرج باد على قسمات الرئيس اضطر معه الرئيس إلى الاعتراف بوجود سجينين اثنين فقط في سجونه. بالطبع تبسم الشامتون وفي سرائرهم غبطة أن يمتد العوار إلى قلب حصن الرئيس. البداية المتعثرة لمؤتمر الحوار تقول بوضوح شديد إن هذا جهد ضائع تماما، ويتحدث بعض الحالمين عن خطوة منتظرة من الرئيس لو حدثت فسوف تقلب اللوحة رأسا على عقب لصالح السلام، وتكون هذه العجزة حين يخبط الرئيس البشير خبطة سياسية واحدة لازبة تمكن لمشروع التراضي الوطني الذي ظلت جماعة الإنقاذ تهزي به وقتا طويلا دون أن تشرع في خطوات عملية لإنجازه. ويمكن أن تكون خبطة الرئيس هذه عبارة عن بيان قصير يقول فيه بعبارات لا تقبل اللف والدوران إنه قرر خلع رداء الحزبية الضيق والتوشح بوشاح القومية الرحيب، وأنه صار من تاريخه رئيسا للحزب السوداني القومي الجامع، الذي يضم في عضويته جميع السودانيين، وأنه صار من تاريخه أبا لهذا الجمع الكبير. وأن جميع المعتقلين والمحبوسين في قضايا سياسية صاروا من تاريخه طلقاء، هذا بيع يسير لمن ألقى السمع وهو شهيد، يمكن تحقيقه لحظة تخفف الرئيس من جلبابه الحزبي الضيق، والاستعاضة عنه بجلباب قومي جديد يكون فيه الرئيس رئيسا لحزب السودان الجامع بدلاً من حزب المؤتمر الوطني في رواية وحزب الاتحاد الاشتراكي البعاتي في رواية أخرى. المهندس إبراهيم محمود، نائب الرئيس البشير لشؤون الحزب، رفع سقف التطلعات الخاصة بنتائج مؤتمر الحوار الوطني بتصريح جريء قال فيه إن حزبه سيقبل بنتائج الحوار حتى إذا قرر المتحاورون إجراء انتخابات مبكرة يتنازل فيها حزبه عن السلطة لمن يختاره الشعب. هذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها مسؤول حزبي رفيع بهذه الجرأة عن الاستعداد للتنازل عن السلطة لصالح من يختاره الشعب في انتخابات مبكرة تحرق كل المراحل. ولكن من يضمن لنائب الرئيس ألا يقطع المتنفذون رأسه قبل أن يقطع الرئيس قول كل خطيب.